تحديات العولمة الاقتصادية

تحديات العولمة الاقتصادية

يشهد العالم بأسره تحديات اقتصادية عاصفة تتمثل في ارتفاع أسعار النفط وأسعار الغذاء ومعدلات التضخم, ويمكن التعبير عن هذه التحديات بمثلث الرعب. وعلى الرغم من تحمل السياسيين كثيرا من الضغوط الشعبية للتخفيف من وطأة هذا المثلث على الرفاهية الاجتماعية, إلا أن حقيقة الأمر توضح عجز هؤلاء السياسيين بمفردهم عن إيجاد حلول لهذه التحديات الاقتصادية, فما يحدث اليوم في الاقتصاد العالمي ليس وليد اللحظة وإنما هو نتائج لمرحلة العولمة.
إن أبرز مظاهر العولمة التي ظهرت إلى السطح هو ما يسمى "تحرير الأسواق المالية والنقدية", وهذا يعني التحرر من الضوابط التقليدية للعمل المصرفي والاستثمار المالي وعدم خضوعها للسلطات المحلية. فدخول الأموال وخروجها يتم بسرعة هائلة, ما جعل السلطات النقدية المحلية عاجزة عن السيطرة على أسعار الصرف وأسعار الفائدة وأسعار الأسهم. فما يحدث في الأسواق هو سيطرة عدد من المضاربين الكبار على الأسواق بحيث أصبح لديهم القدرة على التحكم في الأسعار, ومن ثم إحداث الأزمات الاقتصادية بطريقة تجارية بحتة لا يشوبها "سوء النية" أو التخطيط المسبق. فالذي يحدث من وجهة نظرهم لا يعدو كونه تحقيق أرباح من نشاط تجاري روتيني, إلا أن المشكلة من الجانب الآخر هي عدم القدرة على الحد من أضرار تصرفاتهم على المستوى الشعبي.
إن ما يحدث في العالم من أزمات اقتصادية هو في واقع الأمر نتيجة سياسات العولمة التي نادى بها العالم الغربي ودعم سياساتها في العالم الثالث دون مراعاة الاختلافات الثقافية والبيئية والاقتصادية. فليس ما يصلح لأوروبا ذات النظم السياسية الديمقراطية والنظم الاقتصادية الرأسمالية والنظم الاجتماعية المرنة يصلح لدول ذات طبيعة سياسية واقتصادية واجتماعية مختلفة تماما. فما يحدث في العالم الثالث هو محصلة للتركيز على الأرباح "غير المحققة" من التعامل في الأسواق المالية والنقدية دون إضافة للاقتصاد Value Added ودون إنتاج ملموس, وهذا بدوره زاد وسيزيد من مستويات البطالة, بل الأدهى من ذلك أن هذه العولمة ستقضي بالتدريج على الطبقة الوسطى. ولا شك أن تقليص نسبة الطبقة الوسطى في أي مجتمع يعد نذير شؤم على الاقتصاد, حيث إن الأصل في الإصلاح الاقتصادي أن يزيد نسبة هذه الطبقة لا أن يقلصها ويحولها إلى طبقة الفقراء والعاطلين عن العمل.
إن ما يجري في العالم اليوم يحتم علينا أن نراجع برامجنا الاقتصادية والتعليمية لتجنب إرهاصات عصر العولمة, فما يحدث اليوم من فتح الأسواق وتخصيص Privatization للقطاعات العامة يجب أن تصاحبه خطة وطنية تحافظ وتدعم وجود طبقة وسطى تنعم بالرفاهية, وتحقق للمواطن الأمان من الفقر والمرض والبطالة. وهذا يعني ضرورة وجود الدولة تشريعيا وتنفيذيا في كثير من القطاعات وعدم ترك القطاعات ومرافق المصلحة العامة كالصحة والتعليم تعمل بأيديلوجيات تجارية بحتة دون مراعاة للأبعاد الاجتماعية والسياسية للوطن.

الأكثر قراءة