Author

دور الجامعات في الأزمات

|
[email protected] يقول "رتشارد برودهيد" رئيس جامعة "ديوك" الأمريكية الشهيرة، إن على الجامعات، كمؤسسات تعليمية تمتلك خبرات معرفية مُتميزة، أن تُخرج هذه الخبرات إلى العلن وقت الأزمات، لتلقي الضوء على ما يجري، وتُبين للناس حقائق الأمور. هذا بالفعل ما قام "برودهيد" بتنفيذه في الأسبوع الأول من بروز الأزمة المالية العالمية التي خرجت من الولايات المتحدة الأمريكية لتنتشر في شتى بقاع الأرض بتأثيرات وآثار مختلفة. قام "برودهيد" بعقد ندوة أدارها بنفسه في جامعته، وجلب لها خمسة من أهم الأساتذة المتخصصين في المجالات المُرتبطة بالأزمة المالية العالمية: أستاذ في الاقتصاد يهتم بالعلاقة بين الدولة والقطاع الخاص؛ أستاذ في القانون مُتخصص في أنظمة الأسهم؛ وأستاذ في الأعمال الدولية مُتخصص في إدارة المخاطر؛ وأستاذ في السياسة مُتخصص في الشؤون الداخلية؛ إضافة إلى أستاذة في المُحاسبة مُتخصصة في المُعاملات المالية. وعلى مدى "90 دقيقة" ناقش هؤلاء المتخصصون موضوع الأزمة وأسبابها وتداعياتها، وسبل حلها، وتجنب ما يُماثلها في المستقبل. كانت الندوة مفتوحة يحضرها من يُريد، وأكثر من ذلك تم وضع تسجيل لها على موقع الجامعة، على الإنترنت، لمن يرغب في سماعها، وذلك لتعميم فوائدها، وترسيخ دور جامعة "ديوك" كمركز معرفة دولي، خصوصاً في وقت الأزمات. وكما تيسر لي الحصول على هذه الندوة، من خلال الإنترنت، وسماع ما دار فيها، والاستفادة من حديث الخبراء المشاركين في تقديمها، تيسر ذلك أيضاً للكثيرين في كل بقاع الأرض. ما حدث في جامعة "ديوك" يستحق منا وقفة تفكير، ليس فقط من أجل العمل على غراره والاستفادة من إيجابياته، بل من أجل إعادة النظر في دور الجامعة في خدمة المُجتمع ودعم الدولة والوقوف معها بصفة عامة. وقد لا يكون ذلك في وقت الأزمات فقط، بل في الأوقات الأخرى أيضاً. لا شك أن الاستفادة من الخبرات المعرفية في الجامعات، وقت الأزمات، أمر مفيد للغاية في خدمة المُجتمع، وتوعية أبنائه بما يجري، من وجهة نظر علمية موضوعية مُحايدة. لكن الأكثر فائدة، أن تكون هناك استفادة مستمرة من هذه الخبرات المعرفية في كل الأوقات، وليس فقط في أوقات الأزمات. صحيح أن الإحساس بالحاجة إلى الخبرات يزداد في وقت الأزمات، لكن الحاجة الفعلية قائمة، ويُمكن أن تساهم في الحد من الأزمات، وتجنب الوقوع فيها. لقد أتاحت جامعة "ديوك" لأصحاب الخبرة فيها تقديم ما لديهم لأبناء المجتمعات المُختلفة حول العالم بشأن الأزمة المالية؛ وهذا أمر إيجابي للغاية. لكن هذه الجامعة العريقة لم تتح لهؤلاء عرض المشاكل التي كان يُعاني منها النظام المالي قبل الأزمة؛ وهذا قصور ينبغي تلافيه. ولو أن ذلك حصل في "ديوك"، وفي غيرها من الجامعات الشهيرة، على نطاق واسع، لربما أمكن تجنب الأزمة، ولو جزئياً. إن للجامعات دواًر مهماً في المجتمع، صحيح أن هذا الدور لا يتمتع بسلطة التأثير المباشر، لكنه دور فكري يتسلل إلى العقول ويُبين لها الحقائق، ويُسهم بذلك في التأثير بما يفوق السلطة، ولكن بشكل غير مُباشر. جامعاتنا لم تفعل ما فعلته جامعة "ديوك". كما أنها لم تقم بالتواصل مع المُجتمع بالقدر الكافي، حول ما يجري في العالم، في مُختلف المجالات. ولعل فيما ورد هنا حافز لجامعاتنا المرموقة، أن يكون لها دور أكبر في خدمة المُجتمع. وعسى أن نجد جامعاتنا في المستقبل، تُناقش ما يجري في مجتمعنا من مشاكل، وتضع الحلول وتطرح البدائل وتوصي بما يجب عمله.
إنشرها