![]()
عندما كنا على مقاعد الدراسة في جامعة الملك سعود في أوائل الثمانينيات الميلادية وأواخر القرن الهجري الفارط كان مقر جامعتنا على أحد ضفتي شارع الجامعة في الملز في الرياض، قيل لنا بعد عام أو عامين ستنتقلون إلى مدينة جامعية في الدرعية، كليات وقاعات ومستشفى جامعي ومكتبة مركزية. كانت بلادنا في ذلك الزمن لتوها تتنفس رائحة التنمية الاقتصادية والعمرانية والثقافية، لتوها تخرج من اقتصاد الدكاكين وعمران المدارس الطينية والأزقة الضيقة والأحياء الشعبية المتداخلة، وإرهاصات الدراسات العليا والابتعاث الجامعي حين كانت استمارات الابتعاث إلى أمريكا وأوروبا كما يقال لنا توزع في الشوارع كناية عن كثرة الابتعاث.
حدث ما خطط له أن انتقلت جامعة الملك سعود إلى المدينة الجامعية في الدرعية، انتقل إلى هناك في الشمال الغربي من الرياض الطلاب وأعضاء التدريس والمكتبة المركزية، أما الطالبات فكان دورهن الإحلال على طريقة الثقافة العربية في الريف والبادية والساحل، الرجال أولاً ثم النساء. فأصبحت المباني القديمة والمستأجرة في عليشة والملز مقراً جديداً للطالبات، أما الطلاب فانتقلوا إلى مبان طرازها حديث، وإسكان للطالب والمعلم بمواصفات عالية وإمكانات تقنية وإدارية وميزانيات مالية ضخمة. ومثل ما حدث لجامعة الملك سعود أعادت جامعة الإمام محمد بن سعود السيناريو نفسه مدينة جامعية للرجال وإحلال الطالبات في المباني القديمة والمستأجرة في البطحاء والملز. وهذا حدث منذ أكثر من ربع قرن أو 30 عاماً حتى أعادت جامعة الملك سعود وجامعة الإمام قراءة الحسابات التعليمية، وأنه لا فرق بين البنين والبنات والطلاب والطالبات، وأن الحقوق متساوية لتبدأ جامعة الملك سعود والإمام في بناء كليات للطالبات. الملك عبد الله - حفظه الله - لديه جراحات دقيقة جداً في معالجة الفقر والاقتصاد والبطالة والتعليم تؤسس، بإذن الله، طفرة تعليمية واقتصادية وتنموية تغطي المرحلة المقبلة، وشواهدها المدن الجامعية والمدن الاقتصادية وحزم المدارس الحكومية. فجاءت معالجة الملك عبدالله لجامعة البنات جراحة دقيقة وجذرية، عندما تشكلت جامعة البنات نتيجة انتقال كليات البنات من تبعية وزارة التربية والتعليم إلى تبعية وزارة التعليم العالي التي لو تركت لتراكمت الأخطاء. لذا جاءت المعالجة في إعادة بناء تعليم المرأة وحفظ حقوقها التعليمية، وأن تكون لها هياكل إدارية وأكاديمية تتمتع بنفس الحقوق التي يتمتع بها الطالب وعضو هيئة التدريس من مبان وتقنيات وبيئة تعليمية، فجاء قرار الملك - حفظه الله - في البواكير الأولى تأسيس جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن للبنات التي تضم 15 كلية علمية ونظرية وطبية ومستشفى تعليميا بطاقة 700 سرير وثلاثة مراكز أبحاث علمية ووحدات سكنية لأسر منسوبي الجامعة وهيئة التدريس وسكناً خاصاً بالطالبات ومسجدا وجامعاً ومدارس للتعليم العام ورياضاً للأطفال ومناطق ترفيهية، أراد الملك عبد الله أن يعيد صياغة دواخلنا في التخطيط والإدارة والحقوق، فالمعاناة التي عاشها أعضاء هيئة التدريس والطالبات في عليشة والملز في قلب الرياض ومبان لها أكثر من 30 عاما وشتاتها بين الأحياء، معاناة مريرة، حيث صرف عليها الأموال الطائلة في الترميم والصيانة وإعادة البناء والتأثيث، في حين تمتع الطالبات بمبان عالية الجودة والمواصفات، فكان هذا حقاً للطالبات أن يكون لهن مدينة جامعية مع حجر التأسيس الأول نفسه الذي بدأ فيه إنشاء مدينة الدرعية الجامعية.
