تطلعاتنا نحو (النانو) وكيفية تحقيقها

يشهد الوطن نشاطاً كبيراً في استقطاب العلماء والمتخصصين في مجال تقنيات النانو، على هيئة ورش عمل، ومؤتمرات، انطلاقاً من الدعم المادي الكبير الذي تتلقاه الجامعات ومراكز الأبحاث من الحكومة، والتي تدرك أهمية اللحاق بالركب العالمي في هذا المجال الحديث الذي سيغير وجه العالم الصناعي في العقود القادمة، ولعل آخرها ما أتاحته لنا جامعة الملك عبد العزيز في جدة من حضور ورش العمل ضمن فعاليات المؤتمر الدولي للتقنيات متناهية الصغر (النانو)، تحت شعار”الفرص والتحديات"، والذي نظمه مركز التقنيات متناهية الصغر في الجامعة، تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين، والتي قدمها عدد من المختصين في علوم والتقنيات المتناهية الصغر (النانو) من مختلف دول العالم، وكانت فرصة سانحة للاطلاع على آخر ما توصلت إليه الأبحاث العالمية في المجالات المختلفة لتقنيات النانو.
ولا شك أن القائمين على التخطيط الاستراتيجي في المملكة يدركون التأثير الكبير لهذه التقنية، ليس على الاقتصاد والأعمال، وتوفير الوظائف، ولكن تأثير هذه التقنية على الأمن الوطني. إن آفاق هذه التقنية ستدخل جميع المناحي من تصنيع الأجهزة إلى تصنيع الأسلحة وبدائل الطاقة، ومن هنا تأتي أهمية استيعاب هذه التقنية. ومقالي هذا سيتحدث عن متطلبات الاستفادة من هذه التقنية، ولكن وقبل الحديث عن ذلك، لنلقي لمحة عن ماهية هذه التقنية.
تتضمن علوم النانو الممارسة البحثية العميقة لاكتشاف خصائص وسلوكيات المواد التي لا يتجاوز قطرها من 1 إلى 100 نانو (النانو = 1 من البليون من المتر، وقطر شعرة الآدمي = 100.000 نانو)، ومن ثم استخدام هذه المواد وفقاً لخصائصها في تطبيقات تسمى تقنيات النانو، والتي تتطلب إلماما علميا دقيقا من أجل المعالجة والتحكم بهذه المواد على هذا المستوى المتناهي من الصغر. وأبرزت أبحاث النانو فائدة التعامل مع المواد في حجمها النانوي، حيث إن هذه المواد تتميز بأن نسبة تعرض سطحها الخارجي للمؤثرات الخارجية في هذا المستوى كبيرة مقارنة بالمستويات الأخرى، كما تكتسب خصائص مختلفة في هذا المستوى، فبعضها يصبح موصلا للتيار الكهربائي أو الحرارة، أو تصبح شفافة، أو تصبح قادرة على عكس الأشعة بشكل أفضل، أو تتغير ألوانها نظراً لأن خصائصها الفيزيائية تختلف على هذا المستوى. فالذهب في حجمه الاعتيادي مثلا موصل جيد للكهرباء والحرارة، أما في مستواه النانوي فيمكن للذهب امتصاص الضوء وتحويله إلى حرارة كافية للقضاء على الخلايا السرطانية.
إن لحاقنا بركب هذه التقنية يتطلب انقلاباً في عدد من الممارسات الخاطئة في أنظمتنا التعليمية على مختلف المستويات، بدءًا من التعليم الابتدائي، وحتى الدراسات العليا. فبدون الإصلاح المتدرج من القاعدة إلى القمة في هذه الأنظمة فلا أعتقد أننا سنستطيع فهم هذه التقنية فضلاً عن تصنيعها. بحيث يتضمن ذلك إعادة النظر في مقررات وأساليب تدريس مواد العلوم الأساسية، كالفيزياء والكيمياء والأحياء والرياضيات، وذلك بالتركيز على تعريض الطالب لها بشكل متدرج يسهل عليه تقبلها واستيعابها من المرحلة الابتدائية إلى الجامعية، مع توافر المعامل والأدوات اللازمة لذلك. وفي مجال الأبحاث في تقنية النانو، فإن على جميع مراكز الأبحاث المهتمة بهذه التقنية وضع خطط استراتيجية، تحدد فيها أهدافها الرئيسية وكيفية الوصول إلى هذه الأهداف، وأن تعمل هذه المراكز في تناغم وتوحد جهودها بحيث يركز كل مركز بحثي على جانب من هذه التقنية، فبينما تركز جامعة الملك فهد على أبحاث تقنية النانو في الطاقة وبدائلها، وتركز جامعة مثل الملك عبد العزيز على التقنية في مجال الأبحاث البحرية، وجامعة الملك سعود في الأبحاث الطبية، ومدينة الملك عبد العزيز في المجالات الحيوية، ... وهكذا، وذلك بعقد مؤتمر وطني لوضع الخطة الاستراتيجية الوطنية التي بموجبها تتحرك هذه الجهات البحثية وتدعم. كما أن المؤسسة العسكرية مطالبة بالدخول وبقوة في مجال الأبحاث العسكرية في هذا المجال، نظراً لما توفره هذه التقنية من أدوات ذات خصائص مذهلة في الصناعات الحربية.

* دكتوراه في المعلوماتية الحيوية وحوسبة الأحياء
مؤهل عالٍ في حوسبة العلوم الاجتماعية
[email protected]

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي