هل هناك علاقة بين أسعار الغاز الطبيعي وأسعار النفط الخام؟
ارتفع سعر النفط الأمريكي من أيلول (سبتمبر) 2007م إلى آذار (مارس) 2008م بنحو 45 في المائة لأسباب كثيرة، منها ما هو معروف ومنها ما زال محل خلاف ما بين منظمة "أوبك" والدول الصناعية، حيث ترى "أوبك" أنه لا يوجد خلل في العرض وإنما أصل المشكلات المضاربون والدولار المريض، بينما يرى العالم الصناعي ضرورة زيادة الإمدادات النفطية لزيادة استهلاك العالم، وخصوصاً زيادة حصص كل من الصين والهند من النفط.
في خضم هذا الجدل تستمر أسعار النفط في الارتفاع والوصول إلى مستويات وأرقام جديدة لم يعرفها العالم من قبل، ولم تكن حتى كبرى المؤسسات الاستشارية قبل خمس سنوات تتوقع هذه الارتفاعات، حيث ارتفعت نحو 20 في المائة منذ بداية هذا العام حينما سجلت أسعار النفط نحو 117 دولارا في بورصة نايمكس في منتصف نيسان (أبريل).
ومن البديهيات الاقتصادية, الاعتقاد بارتباط أسعار النفط الخام وأسعار الغاز الطبيعي بعلاقة وطيدة، باعتبار أن كلا منهما يعتبر مصدرا رئيسا للطاقة في العالم، حيث ينتج النفط حالياً ما نسبته 39 في المائة من طاقة العالم، وينتج الغاز الطبيعي نحو 25 في المائة من طاقة العالم، ومن المتوقع أن تزداد نسبة الطلب العالمي على الغاز الطبيعي كمصدر أساسي لتوليد الطاقة لتصل إلى نحو 28 في المائة بحلول عام 2030م على حساب كل من الفحم الحجري، صاحب الانبعاثات الأكبر، والنفط الذي من المتوقع أن تتقلص نسبته في توليد الطاقة العالمية إلى 35 في المائة.
وتتلخص معظم الاستخدامات العالمية للغاز في توليد الطاقة، حيث يتم حرقه لإنتاج الطاقة الحرارية إما للتدفئة وإما لتوليد بخار الماء الذي يولد قوة دفع لتدوير التوربينات، وبالتالي توليد الكهرباء.
أما بالنسبة إلى النفط، فقليل من الدول تحرقه لتوليد الطاقة الحرارية وذلك لسببين رئيسين، أولهما: أن حرق النفط لتوليد الكهرباء غير مجد اقتصادياً، خاصة مع الارتفاع الهائل في أسعار النفط، وثانيهما: النفط يطلق الكثير من الانبعاثات الكربونية والكبريتية وغيرها، التي من شأنها الأضرار بالبيئة. ويبقى النفط المصدر شبه الوحيد لإنتاج وقود السيارات ووسائل النقل الأخرى كالديزل ووقود الطائرات، حيث يستخدم النفط كمصدر لأكثر من 90 في المائة من هذا الوقود، ولا يستطيع الغاز الطبيعي أن ينافس النفط في هذه الميزة.
وأيضا لا يستطيع الغاز الطبيعي منافسة النفط في إنتاج النافثا، التي تعتبر أحد أهم مصادر المواد العطرية، كالبنزين، الزايلين، والكيومين التي تعتبر مصدرا رئيساً للكثير من المواد البتروكيماوية.
ولا يستطيع الغاز الطبيعي أيضا منافسة النفط في إنتاج وقود وسائل النقل المختلفة، التي تشمل الجازولين والديزل ووقود الطائرات، وعليه نستطيع القول إن كلا من النفط والغاز الطبيعي له استخدامات شبه مختلفة عن الأخرى.
يتنافس النفط والغاز الطبيعي في بعض الاستخدامات، مثل توليد الطاقة الكهربائية وبعض الاستخدامات الصناعية الأخرى. وبحسب وكالة معلومات الطاقة الأمريكية فإن 18 في المائة من استخدامات الغاز الطبيعي يمكن استخدام النفط أو أحد مشتقاته كزيت الوقود عوضاً عنها، حتى إن بعض الخبراء الصناعيين أشار إلى أن نحو 20 في المائة من مولدات الطاقة يمكن استخدام النفط أو الغاز الطبيعي وقوداً لها، أي أن كليهما يمكن أن يستخدم عوضاً عن الآخر.
إن الارتفاع في أسعار النفط من شأنه أن يغري مستهلكي النفط بالتحول الجزئي إلى الغاز الطبيعي، ما يقود إلى زيادة الطلب على الغاز الطبيعي، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى زيادة سعره، وهذا سبب تلازم مسار أسعار النفط والغاز صعوداً وهبوطاً. كما أن أي زيادة في إنتاج النفط من شأنه أن يزيد إنتاج الغاز الطبيعي المصاحب للنفط، ما يؤدي إلى تلازم المسارات في الأسعار أيضا. وتجدر الإشارة هنا إلى أن أسعار الغاز الطبيعي المسال LNG مرتبطة ارتباطا وثيقا بمعادلات سعرية بأسعار النفط العالمية.
يباع النفط في بورصات عالمية متعارف عليها، وتوجد أنواع قياسية من النفط مثل "برنت"، "غرب تكساس"، و"العربي الخفيف" يمكن استخدامها في قياس أسعار النفط في مختلف أنحاء العالم في أي لحظة. ولكن تكمن المشكلة في الغاز الطبيعي أنه لا توجد بورصات عالمية يتم فيها تداول الغاز الطبيعي ولا يوجد غاز طبيعي معين منتج من قبل دولة معينة يستخدم كقياس لكل الغاز الطبيعي المصدر من الدول المختلفة، بحيث يمكن الاعتماد عليه لقياس أسعار الغاز في مختلف أنحاء العالم، رغم أن معظم الغاز الطبيعي المنتج عالمياً متشابه في محتوياته، إذ يحتوى على نحو 95 في المائة من غاز الميثان. ولكن توجد بورصات محلية متفرقة بين بعض الدول الصناعية مثل الولايات المتحدة، حيث يباع الغاز الطبيعي على سبيل المثال في بورصتي "نرى هوب" و"نايمكس".
لإجراء مقارنة بين أسعار النفط وأسعار الغاز الطبيعي لا بد من أخذ دولة معينة يتم فيها تداول النفط والغاز، ولتكن الولايات المتحدة أكبر مستهلك للنفط والغاز في العالم، ولا بد أيضا من إيجاد القواسم المشتركة لتكون أساسا لهذه المقارنة. ويمكن قبول المليون وحدة حرارية كأساس لهذه المقارنة وتعرف الوحدة الحرارية بأنها الطاقة اللازمة لرفع حرارة رطل من الماء درجة مئوية واحدة. يعادل المحتوى الحراري لبرميل النفط الخام على نحو ستة ملايين وحدة حرارية يختلف عدد الوحدات هذا قليلاً بحسب نوع النفط الخام وكثافته. وبناء عليه يمكن عمل علاقة سعرية ترابطية بين برميل الخام الأمريكي وسعر المليون وحدة حرارية من الغاز الطبيعي بتقسيم سعر البرميل الخام على 6. ويعرض الشكل 1 مدى ترابط العلاقة بين أسعار الخام والغاز الطبيعي صعوداً وهبوطاً، وبحسب الشكل نجد أنه عام 2004م تقاطعت أسعار النفط والغاز عند نحو خمسة دولارات، وبحسب العلاقة يصبح سعر النفط في تلك الفترة (5 x 6 = 30 دولارا)، ويصبح سعر المليون وحدة حرارية للغاز خمسة دولارات.
ويجب التنبيه إلى أنه وجد أوقات اختلفت فيه أسعار الخام عن أسعار الغاز كما في الشكل، ويبدو واضحاً أن أسعار الغاز قد ارتفعت عالياً في كل من 2001 و2003 بمعزل عن النفط، حيث سجلت أسعار الغاز عشرة دولارات لكل مليون وحدة حرارية، في وقت سجلت فيه أسعار الخام نحو 36 دولارا للبرميل، أي أن نسبة سعر البرميل لسعر المليون وحدة حرارية من الغاز قد تقلصت من 6 إلى 3.6. وفي الجانب الآخر، إذا ما تم حساب معدل سعر البرميل الخام في 2008م عند نحو 110 دولارات فيصبح سعر المليون وحدة حرارية للنفط نحو 18 دولارا (على أساس تقسيم سعر البرميل على 6) وهو سعر كبير للغاز الطبيعي، ولم يرتفع سعر الغاز بالعلاقة التاريخية نفسها، ولكنه سجل عشرة دولارات، ما يدل على أن أسعار الغاز الطبيعي لم ترتفع بالزخم نفسه الذي ارتفعت فيه أسعار النفط، ربما لكثرة استخدامات النفط مقارنة بالغاز، وقد نشهد في المستقبل القريب ارتفاعات كبيرة بأسعار الغاز الطبيعي.
* خبير في شؤون تكرير النفط والبتروكيماوياتكل منهما يمثل مصدرا رئيسا للطاقة في العالم
هل هناك علاقة بين أسعار الغاز الطبيعي وأسعار النفط الخام؟
ارتفع سعر النفط الأمريكي من أيلول (سبتمبر) 2007م إلى آذار (مارس) 2008م بنحو 45 في المائة لأسباب كثيرة، منها ما هو معروف ومنها ما زال محل خلاف ما بين منظمة "أوبك" والدول الصناعية، حيث ترى "أوبك" أنه لا يوجد خلل في العرض وإنما أصل المشكلات المضاربون والدولار المريض، بينما يرى العالم الصناعي ضرورة زيادة الإمدادات النفطية لزيادة استهلاك العالم، وخصوصاً زيادة حصص كل من الصين والهند من النفط.
في خضم هذا الجدل تستمر أسعار النفط في الارتفاع والوصول إلى مستويات وأرقام جديدة لم يعرفها العالم من قبل، ولم تكن حتى كبرى المؤسسات الاستشارية قبل خمس سنوات تتوقع هذه الارتفاعات، حيث ارتفعت نحو 20 في المائة منذ بداية هذا العام حينما سجلت أسعار النفط نحو 117 دولارا في بورصة نايمكس في منتصف نيسان (أبريل).
ومن البديهيات الاقتصادية, الاعتقاد بارتباط أسعار النفط الخام وأسعار الغاز الطبيعي بعلاقة وطيدة، باعتبار أن كلا منهما يعتبر مصدرا رئيسا للطاقة في العالم، حيث ينتج النفط حالياً ما نسبته 39 في المائة من طاقة العالم، وينتج الغاز الطبيعي نحو 25 في المائة من طاقة العالم، ومن المتوقع أن تزداد نسبة الطلب العالمي على الغاز الطبيعي كمصدر أساسي لتوليد الطاقة لتصل إلى نحو 28 في المائة بحلول عام 2030م على حساب كل من الفحم الحجري، صاحب الانبعاثات الأكبر، والنفط الذي من المتوقع أن تتقلص نسبته في توليد الطاقة العالمية إلى 35 في المائة.
وتتلخص معظم الاستخدامات العالمية للغاز في توليد الطاقة، حيث يتم حرقه لإنتاج الطاقة الحرارية إما للتدفئة وإما لتوليد بخار الماء الذي يولد قوة دفع لتدوير التوربينات، وبالتالي توليد الكهرباء.
أما بالنسبة إلى النفط، فقليل من الدول تحرقه لتوليد الطاقة الحرارية وذلك لسببين رئيسين، أولهما: أن حرق النفط لتوليد الكهرباء غير مجد اقتصادياً، خاصة مع الارتفاع الهائل في أسعار النفط، وثانيهما: النفط يطلق الكثير من الانبعاثات الكربونية والكبريتية وغيرها، التي من شأنها الأضرار بالبيئة. ويبقى النفط المصدر شبه الوحيد لإنتاج وقود السيارات ووسائل النقل الأخرى كالديزل ووقود الطائرات، حيث يستخدم النفط كمصدر لأكثر من 90 في المائة من هذا الوقود، ولا يستطيع الغاز الطبيعي أن ينافس النفط في هذه الميزة.
وأيضا لا يستطيع الغاز الطبيعي منافسة النفط في إنتاج النافثا، التي تعتبر أحد أهم مصادر المواد العطرية، كالبنزين، الزايلين، والكيومين التي تعتبر مصدرا رئيساً للكثير من المواد البتروكيماوية.
ولا يستطيع الغاز الطبيعي أيضا منافسة النفط في إنتاج وقود وسائل النقل المختلفة، التي تشمل الجازولين والديزل ووقود الطائرات، وعليه نستطيع القول إن كلا من النفط والغاز الطبيعي له استخدامات شبه مختلفة عن الأخرى.
يتنافس النفط والغاز الطبيعي في بعض الاستخدامات، مثل توليد الطاقة الكهربائية وبعض الاستخدامات الصناعية الأخرى. وبحسب وكالة معلومات الطاقة الأمريكية فإن 18 في المائة من استخدامات الغاز الطبيعي يمكن استخدام النفط أو أحد مشتقاته كزيت الوقود عوضاً عنها، حتى إن بعض الخبراء الصناعيين أشار إلى أن نحو 20 في المائة من مولدات الطاقة يمكن استخدام النفط أو الغاز الطبيعي وقوداً لها، أي أن كليهما يمكن أن يستخدم عوضاً عن الآخر.
إن الارتفاع في أسعار النفط من شأنه أن يغري مستهلكي النفط بالتحول الجزئي إلى الغاز الطبيعي، ما يقود إلى زيادة الطلب على الغاز الطبيعي، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى زيادة سعره، وهذا سبب تلازم مسار أسعار النفط والغاز صعوداً وهبوطاً. كما أن أي زيادة في إنتاج النفط من شأنه أن يزيد إنتاج الغاز الطبيعي المصاحب للنفط، ما يؤدي إلى تلازم المسارات في الأسعار أيضا. وتجدر الإشارة هنا إلى أن أسعار الغاز الطبيعي المسال LNG مرتبطة ارتباطا وثيقا بمعادلات سعرية بأسعار النفط العالمية.
يباع النفط في بورصات عالمية متعارف عليها، وتوجد أنواع قياسية من النفط مثل "برنت"، "غرب تكساس"، و"العربي الخفيف" يمكن استخدامها في قياس أسعار النفط في مختلف أنحاء العالم في أي لحظة. ولكن تكمن المشكلة في الغاز الطبيعي أنه لا توجد بورصات عالمية يتم فيها تداول الغاز الطبيعي ولا يوجد غاز طبيعي معين منتج من قبل دولة معينة يستخدم كقياس لكل الغاز الطبيعي المصدر من الدول المختلفة، بحيث يمكن الاعتماد عليه لقياس أسعار الغاز في مختلف أنحاء العالم، رغم أن معظم الغاز الطبيعي المنتج عالمياً متشابه في محتوياته، إذ يحتوى على نحو 95 في المائة من غاز الميثان. ولكن توجد بورصات محلية متفرقة بين بعض الدول الصناعية مثل الولايات المتحدة، حيث يباع الغاز الطبيعي على سبيل المثال في بورصتي "نرى هوب" و"نايمكس".
لإجراء مقارنة بين أسعار النفط وأسعار الغاز الطبيعي لا بد من أخذ دولة معينة يتم فيها تداول النفط والغاز، ولتكن الولايات المتحدة أكبر مستهلك للنفط والغاز في العالم، ولا بد أيضا من إيجاد القواسم المشتركة لتكون أساسا لهذه المقارنة. ويمكن قبول المليون وحدة حرارية كأساس لهذه المقارنة وتعرف الوحدة الحرارية بأنها الطاقة اللازمة لرفع حرارة رطل من الماء درجة مئوية واحدة. يعادل المحتوى الحراري لبرميل النفط الخام على نحو ستة ملايين وحدة حرارية يختلف عدد الوحدات هذا قليلاً بحسب نوع النفط الخام وكثافته. وبناء عليه يمكن عمل علاقة سعرية ترابطية بين برميل الخام الأمريكي وسعر المليون وحدة حرارية من الغاز الطبيعي بتقسيم سعر البرميل الخام على 6. ويعرض الشكل 1 مدى ترابط العلاقة بين أسعار الخام والغاز الطبيعي صعوداً وهبوطاً، وبحسب الشكل نجد أنه عام 2004م تقاطعت أسعار النفط والغاز عند نحو خمسة دولارات، وبحسب العلاقة يصبح سعر النفط في تلك الفترة (5 x 6 = 30 دولارا)، ويصبح سعر المليون وحدة حرارية للغاز خمسة دولارات.
ويجب التنبيه إلى أنه وجد أوقات اختلفت فيه أسعار الخام عن أسعار الغاز كما في الشكل، ويبدو واضحاً أن أسعار الغاز قد ارتفعت عالياً في كل من 2001 و2003 بمعزل عن النفط، حيث سجلت أسعار الغاز عشرة دولارات لكل مليون وحدة حرارية، في وقت سجلت فيه أسعار الخام نحو 36 دولارا للبرميل، أي أن نسبة سعر البرميل لسعر المليون وحدة حرارية من الغاز قد تقلصت من 6 إلى 3.6. وفي الجانب الآخر، إذا ما تم حساب معدل سعر البرميل الخام في 2008م عند نحو 110 دولارات فيصبح سعر المليون وحدة حرارية للنفط نحو 18 دولارا (على أساس تقسيم سعر البرميل على 6) وهو سعر كبير للغاز الطبيعي، ولم يرتفع سعر الغاز بالعلاقة التاريخية نفسها، ولكنه سجل عشرة دولارات، ما يدل على أن أسعار الغاز الطبيعي لم ترتفع بالزخم نفسه الذي ارتفعت فيه أسعار النفط، ربما لكثرة استخدامات النفط مقارنة بالغاز، وقد نشهد في المستقبل القريب ارتفاعات كبيرة بأسعار الغاز الطبيعي.
* خبير في شؤون تكرير النفط والبتروكيماويات