سجل الحضور والانصراف .. نقطة تفتيش تقليدية
سجل الحضور والانصراف .. نقطة تفتيش تقليدية
"هالحين لي ثلاثون سنة وأنا مدير وجاي تعلمني شغلي!! شف يا حبيبي الأداء المتميز، الجدية في العمل! التفاني! الابتكار! كل هالخرابيط ما تهمني!! اللي بيني وبينك هالدفيتر أبيك تصك فيه توقيعك سبع صباحاً، وثنتين عقب الظهر! وغير هذا الله يستر عليك". ما تقدم ليس حديثا دار بين مدير وموظف، لكنه مضمون رسم كاريكاتيري نشر في صحيفة "الرياض" منذ أعوام، ومازلت أحتفظ به لاستثمره كنشاط تطبيقي في مقررات الإدارة المدرسية التي أدرسها في كل من جامعة الملك سعود والجامعة العربية المفتوحة.
وبتحليل مضمون حديث المدير في الرسم الكاريكاتيري أرى أنه يعكس المكانة المهمة التي يحتلها سجل الحضور والانصراف في الثقافة الإدارية المحلية، فهو على الرغم من توافر الأجهزة الإلكترونية الحديثة إلا أنه لا يزال يستخدم على نطاق واسع في مؤسسات القطاع العام وبعض من مؤسسات القطاع الخاص والقطاع الثالث، إذ يعد سجل الحضور والانصراف وثيقة رسمية ترصد مدى التزام العاملين في المنشأة بأوقات العمل لأداء مهامهم الوظيفية بطريقة تحقق الأهداف المنشودة، ومن مزاياه أنه يزود الإدارة أو غيرها من الجهات الرقابية بعدد الساعات التي يقضيها الموظف في العمل، وعدد ساعات العمل الإضافية، فضلاً عن عدد أيام الغياب والتأخر والاستئذان، وأسباب كل منها، وبعبارة أخرى فهو وثيقة تتضمن بيانات وإحصائيات ومؤشرات على حرص الموظف على العمل، ولكن ليس بالضرورة الإنتاج فيه، فقد يكون لدى المنشأة عشرة موظفين ملتزمين بالدوام، ومع ذلك يضيعون وقت الدوام في الحديث مع الزملاء، واستخدام الهاتف لأغراض شخصية، أو قراءة الصحف، أو التكاسل عن خدمة المراجعين، وتعطيل مصالحهم باختلاق أعذار غير منطقية مثل مطالبتهم بالعودة في اليوم التالي، وعلى العكس من ذلك نجد أن موظفاً زميلا لهم يبتعد كل البعد عن مضيعات الوقت المشار إليها وبذلك يكون أكثر إنتاجية في عمله وأكثر فاعلية على الرغم من أن سجلات الحضور والغياب تشهد له بأنه ممن يتأخرون ويستأذنون ولا يلتزمون بأوقات الدوام.
هذه الفروق في الالتزام بأوقات الدوام والتفاوت في الإنتاجية للعاملين تشكل معضلة وحرجاً للقيادات الإدارية النسائية والرجالية في مجتمعنا على حد سواء، فهي من ناحية ترغب في المحافظة على المكانة المرموقة لسجل الحضور والانصراف كما جرت عليه العادات الإدارية، ومن ناحية أخرى تجد نفسها تتطلع لتطبيق الأساليب الإدارية الحديثة في المنشآت الحكومية ومنشآت المال والأعمال في الدول من حولنا، مثل : العمل عن بعد، مرونة أوقات الدوام، العمل من المنزل، العمل الجزئي التشاركي، التمتين، والتمكين, وغيرها من الأساليب التي لا تقيم وزناً لسجل الحضور والانصراف.
ولنكون أكثر إيجابية ومساهمة في طرح الحلول والبدائل بدلاً من الاكتفاء بطرح القضايا، اقترح في السطور التالية عددا من المقترحات التي أرى أنها ستغير من موقع سجل الحضور والانصراف في ثقافتنا الإدارية، والنقاط هي:
تمكين القيادات الإدارية ومنحها صلاحيات التعامل مع سجل الحضور والانصراف بمرونة وعدالة، وبما يلائم طبيعة العمل في المنشأة، بحيث تكون مرونة الدوام للوظائف الذهنية والمهام التي يمكن القيام بها داخل المنشأة وخارجها مثل: وظائف التخطيط والتصميم والهندسة إلى جانب الوظائف التي لا تتطلب اتصالا مباشرا بالمراجعين، مما يشكل حافزاً وباعثاً على بذل مزيد من الجهد والعطاء.
توفير وقت وجهد الإداريين المكلفين بمهام الإشراف على سجل الحضور والانصراف باستخدام الأجهزة الإلكترونية الحديثة المتوافرة في الأسواق.
إعادة النظر في بنود تقويم الأداء الوظيفي المعمول بها حالياً للعاملين في جميع القطاعات العامة والخاصة, بحيث يكون تقويم الأداء الوظيفي مستنداً إلى المعايير المهنية العالمية الخاصة بكل وظيفة، وبذلك نضمن تطور الأداء والوصول إلى الإنتاجية العالية كماً ونوعاً.
كلمة أخيرة: النقاط أعلاه عبارة عن وجهة نظر متواضعة آمل أن يتسع صدر القارئ الكريم لتقبلها.
أستاذة في الجامعة العربية المفتوحة
استشارية تربوية وتعليمية