فيليبس ووالدته وفرط الحركة

[email protected]

أحببت أن أشارك القراء الأعزاء قصة مايكل فيليبس، السباح الأوليمبي الأمريكي، الذي سيظل التاريخ الرياضي يذكره لمدة اعتقد أنها ستطول، قبل أن يستطيع أحد أن يحطم رقمه القياسي في الحصول على ثماني ميداليات ذهبية في البطولة نفسها، لأنه وبحسبة بسيطة، من الصعب أن يشارك متسابق في نفس العدد من المسابقات، فضلاً على أن يحرز الميداليات الذهبية فيها جميعاً. كما سيظل التاريخ يذكر إلى جانبه -وهو محور مقالي هذا- والدته العظيمة (ديبورا)، التي تحملت لوحدها أعباء تربية مايكل وأختيه بعد طلاقها من زوجها وتخليه عنهم منذ كان مايكل وأختاه أطفالاً.
بدأ معلمو مايكل ملاحظة فرط الحركة وقلة التركيز منذ دخوله المدرسة في مرحلة الروضة، وكانت عبارات بعض معلميه مليئة بالتشاؤم وقتل الطموح حين يذكرون لأمه بأن ابنها لن يفلح في أي وظيفة. بدأ مايك أخذ العقار الطبي لمدة عامين وتركه في المرحلة المتوسطة بعد استشارة الطبيب، واستعاض عن ذلك بتركيز جهده الزائد في الرياضة المفضلة لديه، وهي السباحة. كانت أمه الصابرة والمفعمة بالأمل ديبورا تقف خلف ابنها، والحق أن أمه تستحق الكثير من الثناء والاعتراف، لأنها آمنت بقدرات ابنها، حيث رأت فيه ما لم يره أحد من العالم المحيط به في صغره. إن على كثير من الآباء أن يتعلموا من السيدة فيلبس في عدم الاستماع إلى المدربين والمعلمين، أو من يثبط أطفالهم، الذين قد يجهلون طبيعة هذا المرض والتعامل معه، أو لا يعلمون أن هذا الطفل مصاب به أصلاً، والإيمان بقدرات أطفالهم التي تسمح لهم بالوصول إلى النجومية. وأعرف العديد ممن تصله ملاحظات المعلمين غير المدربين، بأن ابنه توحدي أو مصاب بفرط الحركة نظراً لنشاط حركي طبيعي. كما تعد قصة ديبورا مصدر إلهام للآباء والمعلمين والأطفال المصابين بظاهرة فرط الحركة والتشتت، حيث تضع أمامهم من يماثلهم صحياً، وقد حقق ما لم يحققه أي رياضي في التاريخ.
لقد كان أول ما فعلته ديبورا حين شخص ابنها بالمرض هو وضع خطة للتعامل معه، لقد جمعت فريق عمل منزلي مكونا منها وأختي مايك يراعون حالته ويتبادلون ادوار الرعاية. كما وفرت له جوا مناسبا من علاقات الصداقة مع أقرانه. وإعجابي بوالدته ينبع من علمي بالمصاعب التي يواجهها من يراعي طفل مصاب بداء فرط الحركة، فضلاً عن أن يصنع منه أسطورة.
إن الحب الذي نمنحه لأطفالنا الطبيعيين أو المصابين بأي مرض يمكن أن يوجد نجاحاً مثل الذي حققه فيلبس وفي جميع المجالات، وهذا ما كان يردده فيليبس في مقابلاته.
أعلم أن في مجتمعنا آلاف الأمهات اللاتي في نظري يفقن ديبورا في تضحياتهن، نظراً لاختلاف طبيعة حياة المطلقة، أو الأرملة في مجتمعنا عنها في المجتمع الأمريكي، ومع ذلك صنعن من أبنائهن رجل الأعمال الشهير ورجل الدولة والمعلم والطبيب. وليس المجال هنا للحديث عن دور وزارة التربية والتعليم في إيجاد مراكز التشخيص الملائمة التي تتلقى ملاحظات المعلم عن حالة الطفل ليتولى المتخصص التشخيص والعلاج، أو في تدريب المعلمين على التعامل مع الأطفال المصابين بشتى الأمراض، وإنما على دور الأسرة، وبالذات الأم، في إيجاد عنصر فعّال – إن لم يكن خارقا - في المجتمع. حفظ الله الأحياء من أمهاتنا وجزى الأموات منهن خير الجزاء، ودمتم بخير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي