حي السفارات.. مدينة صغيرة تحاكي مستقبل العاصمة

حي السفارات.. مدينة صغيرة تحاكي مستقبل العاصمة

برزت فكرة إنشاء حي السفارات في 21/11/1395هـ؛ بنقل وزارة الخارجية والبعثات الدبلوماسية من مدينة جدة إلى مدينة الرياض استكمالاً لوظائفها كعاصمة للبلاد، وتشكيل لجنة تنفيذية عليا برئاسة الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض ورئيس الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض للاضطلاع بمهمة تنفيذ هذا المشروع.

المكانة والمكان
يعد هذا المشروع الماثل للعيان إطلالة على القرن الجديد في مدينة الرياض، وعنوانا لمجموعة من المشاريع الكبرى.
ويعد حي السفارات أحد أبرز هذه المشاريع، وقد أنشأته الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض في الجزء الشمالي الغربي من مدينة الرياض.
ويقع الحي على أرض مساحتها نحو ثمانية كيلو مترات مربعة. ويحيط بهذا الموقع وادي حنيفة من جهة الغرب وكل من طريقي صلبوخ والحجاز السريعين من جهتي الشرق والجنوب على التوالي. ويحف هذان الطريقان السريعان بمنطقة مركزية متعددة الاستعمالات. تمتد هذه المنطقة في شكل شريط منحن عرضه نحو 175 متراً، وتضم مرافق مكتبية وتجارية ووحدات سكنية على شكل شقق، إلى جانب عدد من الخدمات العامة والخاصة مثل المساجد ومركز اجتماعي ثقافي ومكتبة ومحطة إطفاء، ومركز طبي وفندق ومركز خدمة سيارات وغيرها، إضافة إلى بعض مواقع السفارات. والحي يشكل حلقة في سلسلة النمو الحضاري لمدينة الرياض.
وروعي في اختيار موقع الحي الطبيعة الطبوغرافية للمكان الذي تم اختياره، حيث يقع على هضبة تشرف على الوادي بخضرته وجماله الطبيعي وعلى الصحراء الفسيحة التي تقع خلفه وعلى منظر مدينة الرياض الذي يطل عليها من الجانب الشرقي، إلى جانب كون تضاريس الحي تتميز بالامتداد الشاسع والتباين في التشكيلات الأرضية من التلال والمنحدرات والامتدادات التي تعد من السمات الطبوغرافية المثيرة للإعجاب.

مرافق وخدمات متقدمة
تطل المرافق والخدمات على ساحات عامة موصولة بممرات منسقة للمشاة. ويقتصر المرور في هذه المنطقة على المشاة عبر ممرات منسقة تتخلل المنطقة. ويمكن للسيارات الخاصة وعربات الخدمة الوصول إلى هذه المنطقة عبر ممرات الخدمة ومواقف للسيارات أقيمت تحت الأرض يمكن الصعود منها إلى الأدوار العلوية عن طريق مصاعد وسلالم. وقد روعي في التصميم العمراني للمنطقة الطابع التقليدي المحلي. وتمتد مواقع السفارات على جانبي الطريقين الرئيسيين خارج المنطقة المركزية، وعلى جانبي طرق التجمع. وتمتد حول المنطقة المركزية خمس مناطق سكنية يخترق كلاً منها طريق تجميع على شكل طريق دائري. وتتفرع من طرق التجميع هذه شوارع فرعية، تتفرع منها شوارع ذات نهايات مغلقة. تؤمن هذه الشوارع الوصول إلى الوحدات السكنية المحاذية لها والمحيطة بالنهايات المغلقة، وتحد من حركة المرور العابر داخل المناطق السكنية وهو ما يوفر الخصوصية والهدوء والسلامة في هذه المناطق. وقد تم تخصيص الأراضي المحاذية لطرق التجميع لعمائر سكنية متعددة الأدوار، فيما تم تخصيص الأراضي المطلة على الشوارع الفرعية والمحيطة بالنهايات المغلقة للفلل السكنية المنفصلة والمزدوجة وتحتوي كل منطقة سكنية على مركز يضم مسجداً ومرافق تعليمية وحديقة، إضافة إلى بعض المرافق التجارية.
وتفصل مناطق التنسيق الصحراوي، المناطق السكنية عن وادي حنيفة، ويهدف إيجاد هذه المناطق المفتوحة إلى تلافي البناء على حافة الوادي للمحافظة على مظهره الطبيعي إلى جانب توفير مناطق ترويحية مطلة على الوادي، كما يفصل حاجز ترابي بين المناطق السكنية والطرق السريعة المحاذية للحي. ويهدف إنشاء هذا الحاجز إلى حماية المناطق السكنية من الضوضاء والآثار الطبيعية الأخرى الناجمة عن هذه الطرق إضافة إلى إيجاد عنصر جمالي ومناطق ترويحية مفتوحة.
وتربط ممرات منسقة للمشاة بين المناطق السكنية والمنطقة المركزية وبعض الخدمات العامة الرئيسة. ويهدف إيجاد هذه الممرات إلى تشجيع حركة المشاة وتقليل استخدام السيارات داخل الحي، اشتملت المنشآت العامة التي قامت اللجنة التنفيذية العليا بإنشائها ضمن برنامج حي السفارات على شبكة المرافق الأساسية مثل الطرق وشبكات مياه الشرب والري وتصريف السيول والصرف الصحي والكهرباء والهاتف والاتصالات ونظام التحكم في شبكة الري ومحطة تنقية المجاري وأبراج مياه الشرب والري، إلى جانب الخدمات العامة مثل المساجد والمرافق التعليمية والاجتماعية والثقافية والترويحية، وكذلك تنسيق المواقع الذي شمل التنسيق الخلوي المحيط بالحي في الأجزاء المحاذية لوادي حنيفة والطرق السريعة، والحدائق والمتنزهات العامة وشبكة ممرات المشاة والميادين العامة وتشجير الشوارع.
وترتبط أجزاء الحي بشبكة من الطرق تزيد أطوالها على 50 كيلومترا، ويشكل الطريقان المتوازيان الرئيسان المحور الأساسي لشبكة النقل الداخلية في الحي بعرض يبلغ طوله 47 مترا لكل منهما، كما تتكون شوارع الحي من طرق تجميع وطرق فرعية وطرق موصلة لداخل المناطق السكنية عبر مدخلين رئيسيين مرتبطين بشبكة المواصلات الرئيسة في المدينة.

تميز لائق بالمؤسسات الدولية
يتميز مشروع حي السفارات الذي كان باكورة مشاريع الهيئة بإقامته في أكثر مناطق الرياض تميزا ومكانة بما يليق بالمؤسسات الحكومية ومنشآت الحي ذات الطبيعة الدولية حيث يجاور الحي مجموعة من المشاريع المهمة الكبرى التي أنشئت لاحقاً في المدينة وتشمل (مجمع الديوان الملكي، مجلس الشورى، مقر مجلس الوزراء، مقر الأمانة العامة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية) وعدد من أحياء المدينة الراقية.
ومنذ البدء في تنفيذه أخذ حي السفارات يتحول إلى تجمع دولي في مدينة الرياض وفقا لما خطط له، حيث استوعب خلال السنوات الأولى من إنجازه أكثر من 90 سفارة ومكتب تمثيل، مع العلم أنه مصمم ليستوعب أكثر من 120 بعثة دبلوماسية وما يزيد على 32 ألف نسمة من السكان. ويضم الحي إضافة إلى المناطق السكنية مرافق تعليمية وصحية وبلدية واجتماعية مع عدد من الخدمات الأخرى.
ولتحقيق أعلى قدر من الاستفادة من الأراضي المحيطة بالحي، أقيمت في عدد من جوانبه مؤثرات تنسيقية جمالية تحول دون الضوضاء الناتجة عن الطرق السريعة المجاورة للحي، ومنها إقامة المرتفعات الترابية وغرس الأشجار والنخيل وتكوين المرتفعات الصخرية على حدود الحي.
ولإضفاء الجمال الطبيعي على أجزاء الحي العامة تمت إقامة الحدائق والملاعب والنوافير في ساحات الحي وخصصت مساحات كبيرة للأشجار الوارفة والنخيل والشجيرات التجميلية في الجزر الوسطية للشوارع والميادين، وتمت الاستفادة من مياه الأمطار ومجاري السيول عبر تجميع هذه المياه لتوفير بيئة طبيعية تتلاءم والمنشآت المقامة في الموقع. كما يحتوي حي السفارات على عدد من الساحات المفتوحة المتضمنة أحدث المواصفات الحديثة في الوقت الذي شيدت فيه وفقاً للطراز المحلي التقليدي كمعظم منشآت الأخرى، ومن أبرزها (ساحة الكندي) التي تستقطب أعدادا كبيرا من الزوار المتنزهين من سكان الحي بصفة خاصة وسكان المدينة من العائلات. ويضم الحي أيضاً منشآت مميزة من بينها (قصر الثقافة) و(قصر طويق) اللذين يوفران للمدينة الكثير من الخدمات التي تندرج ضمن الأهداف التي أقيما من أجلها على الصعيدين الثقافي والاجتماعي.
ويحتوي حي السفارات على العديد من المؤسسات الإقليمية والعالمية مثل مكتب التربية العربي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربي, ومكتب منظمة الأمم المتحدة وعدد من فروع منظماتها الإنسانية ومقر المعهد العربي لإنماء المدن والمكتب الإقليمي للشرق الأوسط لشؤون المكفوفين وغيرها من المؤسسات، إلى جانب مقر الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض التي تمارس دورا حيويا في إدارة الحي وصيانته وتجهيزه بأعلى مستويات الرفاهية والتطوير.

( الحلقة 11: استراتيجية للحد من اختناقات المرور وحوادث السير في العاصمة)

الأكثر قراءة