توحيد سلم الرواتب الجديد للقطاعات الصحية .. هل من سلبيات؟ (4)
عند مقارنة القطاع الصحي بقطاع التعليم نجد أن قطاع التعليم الحكومي يعطي مميزات وظيفية أعلى كثيرا من القطاع التعليمي الخاص. كما أن القطاع التعليمي الحكومي يوفر أمانا وظيفيا وساعات عمل أقل من القطاع التعليمي الخاص. لكن المعادلة في القطاع الصحي معكوسة تماما, حيث إن القطاع الصحي الحكومي أقل جذبا ومميزات من القطاع الصحي الخاص. فمميزات القطاع الصحي الحكومي لا تقارن بما يطرحه القطاع الصحي الخاص من مميزات وظيفية يفسر الهروب من العمل من القطاع الصحي الحكومي إلى القطاع الصحي الخاص بينما لا نجد المعادلة نفسها في قطاع التعليم.
فالعمل في القطاع الصحي يتطلب توافر مهارات إضافية أكثر مما تتطلبه القطاعات الحكومية الأخرى. فبيئة العمل في القطاع الصحي متنوعة ومختلفة مما يتطلب أن يكون لدى العاملين في القطاع الصحي الدراية الكافية للتعامل مع هذا الطيف من الألوان, فهذه البيئة الفريدة تحتم على العاملين في القطاع الصحي على اختلاف تخصصاتهم بما فيهم العاملون في الخدمات الهندسية والمساندة والإدارية, أن تكون لديهم المهارة الكافية للعمل في بيئة عمل متنوعة الثقافات واللغات والأديان. هذه القدرة التواصلية مع مختلف المهارات واللغات جعلت القطاع الصحي من أكثر القطاعات الحكومية المطلوبة للعمل في القطاع الخاص.
قرار توحيد سلم الرواتب تضمن الموافقة على رفع رواتب الأطباء 70 في المائة والصيادلة 45 في المائة والإخصائيين والفنيين والمساعدين الصحيين بنسبة 20 في المائة, تجاهل أحد أهم عوامل نجاح مستشفيات التشغيل الذاتي من تميز في كوادرها الإدارية والفنية والهندسية. فالقرار تجاهل هذه التخصصات وكأنها ليست أحد أسباب رفع الجودة المقدمة من قبل مستشفيات التشغيل الذاتي. فهذه الكوادر المؤهلة قيمتها في القطاع الخاص أعلى بكثير من مستشفيات التشغيل الذاتي, فضلا عن المستشفيات الحكومية. فلم يشر القرار إلى أهمية النظر إلى رواتب هذه الفئات السابق ذكرها علما بأنها أسهمت في أن تكون مستشفيات وزارة الصحة التقليدية أقل جذبا لهذه الفئات في أن تعمل فيها. وكأن القرار يدعم أن تكون الهجرة بدلا من مستشفيات الحكومية التقليدية لمستشفيات التشغيل الذاتي أن تكون نحو المستشفيات الخاصة.
نقطة أخرى جديرة بالاهتمام، لم يوضح القرار عن الآلية التي استخدمت من أجل تحديد نسبة الزيادة بـ 70 في المائة للأطباء, 45 في المائة للصيادلة, و20 في المائة للفنيين والإخصائيين والمساعدين الصحيين. بمعنى هل عملت دراسة ووصلت إلى نتيجة أن فرق الرواتب بين رواتب الفنيين والإخصائيين بين القطاعات الحكومية وشبه الحكومية والخاصة في حدود 20 في المائة؟
الحقيقية أن بعض التخصصات الفنية فيها نقص كبير حتى في مستشفيات التشغيل الذاتي, كما أنه ليس من العدل التعامل مع الفنيين والإخصائيين على قدم المساواة دون اعتبار لمفهوم الاحتياج السابق ذكره في المقال السابق. فبعض التخصصات الفنية أشد صعوبة وحاجة من البعض الآخر. كما أن فرق الرواتب بين بعض الإخصائيين وبعض الفنيين بين القطاع الحكومي والخاص يزيد على 60 في المائة، فلماذا اقتصر القرار على زيادة بـ 20 في المائة فقط؟
ختاما قرار توحيد الرواتب بين القطاعات الحكومية والتخصصية يجب أن يقيم ابتداء وفق توجه وزارة الصحة نحو التخصيص، هل التخصيص هدف تسعى وزارة الصحة إلى تحقيقه؟ كما أنه من الأولى أن يتم التعامل مع أسباب الهجرة من مستشفيات وزارة الصحة إلى مستشفيات التشغيل الذاتي بشمولية لا أن يعزى لأسباب مادية فقط، إضافة إلى أنه كان من الأولى أن يعتبر الاحتياج كأساس في زيادة الرواتب بدلا من الندرة, خصوصا أن مستشفيات وزارة الصحة يتوقع منها تقديم الرعاية الأولية والثانية لا التخصصية. كما أنه كان من الأولى أن يتم النظر إلى رواتب القطاع الصحي وفق احتياج التخصصات, فليس من العدل أن يقتصر زيادة الرواتب للإخصائيين والفنيين في حدود 20 في المائة فقط. القرار في حاجة إلى دراسة متأنية وفق المعطيات السابق ذكرها لا أن ينظر فقط إلى البعد المادي.
متخصص في قضايا التأمين والسياسات الصحية