الاختصاص القضائي في قضية مقتل سوزان تميم
يمكن القول إن قضية مقتل المطربة سوزان تميم تعد جريمة (دولية) لاختلاف جنسيات أطرافها ولأن الجريمة وقعت في دولة لا ينتمي إليها الجاني والمجني عليها، فالجريمة وقعت في دبي في الإمارات بتاريخ 28/6/2008، والقتيلة لبنانية الجنسية، والمتهم بقتلها ضابط شرطة سابق مصري الجنسية اسمه (محسن السكري)، حيث قام بذبحها بالسكين في شقتها والمتهم بالتحريض والمساعدة على قتلها رجل أعمال مصري معروف هو (هشام طلعت مصطفى) والذي يدير مجموعة شركات تجارية وعقارية ضخمة وهو عضو في مجلس الشورى المصري، كما أنه ينتمي إلى الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم. وقد وجهت إليه تهمة استئجار القاتل والاتفاق معه على ارتكاب الجريمة ودفع له في مقابل ذلك مبلغ مليوني دولار أمريكي. واستنادا إلى بعض المصادر الإعلامية فإن الدافع إلى ارتكاب الجريمة هو الانتقام من المجني عليها بعد أن هجرته وارتبطت برجل آخر. واستطاعت الشرطة في الإمارات معرفة القاتل خلال ساعات معدودات من اكتشاف الجريمة وسافر وفد أمني إماراتي إلى القاهرة، وقدم للسلطات المصرية المختصة ما لديه من معلومات وأدلة. وفي سرية تامة شرعت السلطات المصرية المختصة في التحري حول الشخص الذي حددته الشرطة الإماراتية، حيث تم احتجازه والتحقيق معه وعقب ذلك تم إلقاء القبض على المتهمين، القاتل والمحرض، في مصر وأحالهما النائب العام المصري إلى محكمة الجنايات بعد أن اقتنعت النيابة العامة بالأدلة والقرائن التي تدينهما.
أثارت هذه القضية أقاويل شتى حول الحياة الشخصية للمجني عليها ومشكلاتها مع أزواجها السابقين، كما هزت هذه القضية الأوساط الاقتصادية المصرية لأن المجموعة التي يترأسها المتهم هشام طلعت مصطفى تتكون من 21 شركة يبلغ إجمالي رأسمالها المدفوع نحو 2.4 مليار جنيه مصري، ويسهم فيها مستثمرون عرب وأجانب بنسبة 49 في المائة من رأسمالها. وتناول بعض الكتاب والمعلقون في الصحافة العربية خصوصا المصرية الجوانب والأبعاد المختلفة لهذه القضية، ولسنا هنا في مجال الخوض في هذه الأمور ولا بصدد إدانة المتهمين إعمالا للقاعدة الشهيرة (المتهم بريء حتى تثبت إدانته). وما يهمنا الحديث عنه هنا هو الإجابة عن التساؤل الذي أثارته هذه القضية من الناحية القانونية، وهو هل الاختصاص القضائي في نظر هذه القضية معقود لقضاء دولة الإمارات لأن الجريمة وقعت في إقليمها؟.. أم أن الاختصاص معقود للقضاء المصري لأن المتهمين يحملون الجنسية المصرية؟.. أم أن الاختصاص معقود للقضاء اللبناني لأن المجني عليها لبنانية الجنسية؟
للإجابة عن هذا التساؤل نشير إلى قاعدتين معروفتين في القانون الجنائي المقارن، الأولى قاعدة الاختصاص الإقليمي وهي قاعدة أساسية ولا خلاف عليها بين دول العالم ومفادها أن قضاء الدولة يختص بنظر جميع الجرائم التي ترتكب في إقليمها لأن القانون الجنائي للدولة هو الذي يجب أن يطبق على كل ما يقع في إقليم الدولة من جرائم أيا كانت جنسية الجاني أو جنسية المجني عليه، وسواء هددت الجريمة مصلحة الدولة صاحبة السيادة على الإقليم أو هددت مصلحة دولة أجنبية، وطبقا لهذه القاعدة فإنه يمكن القول إن قضاء الإمارات هو صاحب الاختصاص في نظر هذه القضية لأن الجريمة ارتكبت في إقليمها. ولقد تعذر تطبيق هذه القاعدة لأن الجاني عاد إلى مصر بعد ارتكاب الجريمة وقبل اكتشافها.
والقاعدة الثانية هي قاعدة الاختصاص الشخصي، ومفادها أن أحكام القانون الجنائي تطبق على كل جريمة يرتكبها شخص يحمل جنسية الدولة أيا كان الإقليم الذي ارتكبها فيه ولو وقعت الجريمة خارج إقليم الدولة. والواقع أن هذه القاعدة لا يمكن تطبيقها إلا في حالة ارتكاب الجريمة في إقليم دولة وهروب الجناة إلى إقليم الدولة التي ينتمون إليها. وهذه القاعدة تستند إلى مبدأ جواز امتناع الدولة عن تسليم مواطنيها إلى الدولة المطالبة بتسليمهم والاستعاضة عن ذلك بإجراء محاكمتهم أمام قضائها الوطني. وهذا المبدأ منصوص عليه في غالبية القوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية. وقد أخذت بهذا المبدأ المادة (7) من اتفاقية تسليم المجرمين المعقودة بين دول الجامعة العربية المبرمة سنة 1954، حيث نصت على ما يلي:
(يجوز للدولة المطلوب إليها التسليم الامتناع عنه إذا كان الشخص المطلوب تسليمه من رعاياها على أن تتولى هي محاكمته وتستعين في هذا الشأن بالتحقيقات التي أجرتها الدولة طالبة التسليم).
وبناء على قاعدة الاختصاص الشخصي يكون القضاء المصري هو المختص بنظر قضية قتل المطربة اللبنانية سوزان تميم لأن المتهمين مواطنان مصريان مقيمان وموجودان في مصر، ويزداد هذا الاختصاص ثبوتا وتأكيدا من نص المادة 41 من اتفاقية التعاون القانوني والقضائي بين مصر والإمارات عام 2000، حيث قررت ما يلي:
(لا يسلم أي من الطرفين المتعاقدين مواطنيه، ومع ذلك تتعهد كل من الدولتين في الحدود التي يمتد إليها اختصاصها، بتوجيه الاتهام ضد من يرتكب من مواطنيها جرائم في بلد الدولة الأخرى معاقبا عليها بعقوبة الجناية أو الجنحة في الدولتين، وذلك إذا ما وجهت إليها الدولة الأخرى بالطريق الدبلوماسي طلبا بذلك مصحوبا بالملفات والوثائق والأشياء والمعلومات التي تكون في حيازتها، وتحاط الدولة الطالبة علما بما يتم في شأن طلبها).
وقد أشار الفريق ضاحي خلفان قائد عام شرطة دبي في تصريح صحافي إلى هذه الاتفاقية إلى بيان سبب عدم محاكمة المتهمين أمام محكمة دبي مشيدا في هذا الصدد بالتعاون الذي تم بين السلطات المختصة في الدولتين بشأن هذه القضية.
تلكم بإيجاز شديد القواعد القانونية المحددة للاختصاص القضائي في قضية مقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم والتي تعد قضية جنائية دولية للاعتبارات والظروف المشار إليها أعلاه.