بعيدا عن تسييس الشعر وتوجيهه لمصالح أفراد أو كيانات، يبقى أهم فنون التواصل مع الآخرين وتوجيههم نحو ما يريد قائل النص أو "موجهه"، نعرف الآن أن الشعر يمكن أن يُكتب بيد "س" لصالح عقل "ص"، بتأثير من سياسات نفعية خالصة، وهذا ينسحب على كثير من فنون الكتابة الآن وليس الشعر فقط، إلا أنه أكثرها توهجا الآن، وبالتالي أكثرها فائدة ونفعا للدافع والمدفوع له!
هو أمر مفروض وقديم لا يمكن التحكم فيه أو السيطرة على عدم تأثيره في الوسط الأدبي والشعر أحد أركان هذا الوسط، وذلك لسبب بسيط هو أن من يفعل هذا الأمر أو "يُفعل به" لا يخبر بما حدث! ولذلك يبقى الأمر مؤثرا وغير ظاهرا، طواحين هواء تظهر في الأفق واضحة كالشمس في رابعة النهار، يحاربها الكل ولا يستطيعون فعل شيء لها كصاحبنا الدون كيخوت!
ماذا لو تعايشنا مع الواقع الذي لا نستطيع محاربته؟ ماذا لو كان "صاحب الأهداف" متقيدا بأسس معينة لا ينزل عنها "المنفذ"، أن يكون "ذويقا" لا يرتضي القليل مما يُحشى ويسمى مجازا "شعرا"، أن "يدفع" لشيء يستحق "الدفع"، لا كلاما مصفوفا ومرسوما بقافية ليس فيه من روح الشعر ما يحرك قارئه، هكذا فقط يمكن أن يكون التعايش مع الواقع ممكنا! أما أن يكون متذوقا سيئا للشعر فتلك ستكون وبالا عليه وعلينا، لأنه سيكون خاسرا في الحالتين، الأولى أنه سيدفع للسلعة أكثر مما تستحق، وثانيهما أن الهدف الذي سيتحقق من النشر لن يكرس إبداع صاحب الهدف "الأحمق"، لأن القارئ سيرى كلاما عاديا يقرأ مثله آلاف المرات، فلماذا يعجب به!
الزبدة: أي صاحب مال يريد شراء الشعر، عليه أن يقرأ كثيرا قبل أن يتخذ خطوة الشراء، لأن في ذلك تعايشا أقل إيلاما لمتذوقي الشعر، على الأقل يخرج لنا نتاجا يُحترم! أما أن يكون مفروضا على الشعر ورغم ذلك يشوهه بنصوص تافهة فتلك مصيبة ليس لها مخرج، سيطول أذاها الشاري والبائع والقارئ، إضافة إلى ضرر عام لـ "الشعر العامي" كأدب تكثر فيه "قلة الأدب"!