قراءة متأنية لقرار المكافآت والبدلات في التعليم الجامعي
إن المتتبع لمسيرة تطوير التعليم العالي في بلادنا الغالية، يلمس بوضوح الوتيرة المتسارعة للإصلاح والتطوير والإنجازات المتلاحقة لمنظومة التعليم العالي خلال السنوات القليلة الماضية، ويدرك بسهولة حجم الاهتمام البالغ والدعم اللامحدود الذي توليه القيادة الكريمة لهذا القطاع الحيوي بوصفه المصدر الأساسي لإعداد الكوادر الوطنية المؤهلة وبناء المجتمع المعرفي.
ويمثل قرار المكافآت والبدلات لأعضاء هيئة التدريس السعوديين ببنوده الثمانية (مكافأة نهاية الخدمة، بدل الندرة، بدل الجامعات الناشئة، بدل حضور جلسات المجالس الأكاديمية، مكافأة التميز البحثي والعلمي، بدل التعليم والتدريس الجامعي، ومكافأة الوظائف القيادية وتوفير السكن الجامعي)، رزمة من القرارات المتكاملة التي تهدف في المقام الأول لتحقيق الاستقرار النفسي والرضا الوظيفي من خلال تعديل وتصحيح الأوضاع الوظيفية لأعضاء هيئة التدريس السعوديين من جهة، وتسهم في الارتقاء بمستوى الأداء التدريسي والبحثي من جهة أخرى بما ينعكس إيجاباً على مستوى الجودة والتميز والإبداع في الجامعات السعودية.
ولعل أبرز ما يميز هذا القرار مراعاته الظروف الاقتصادية الدقيقة التي تعيشها المملكة من حيث استثمار فوائض عائدات النفط وتوظيفها في بناء الثروة البشرية الوطنية بوصفها الركيزة الأساسية للتنمية الشاملة المستدامة. وتبدو حكمة القرار أيضاً في مراعاته ظروف التضخم، حيث يمكن أعضاء هيئة التدريس من الإفادة من تلك المزايا والمكافآت، بعيداً عن كماشة التضخم وزيادة الأسعار.
كما أن القرار يحمل في طياته بعداً استراتيجياً يتمثل في تحقيق التوازن بين مبدأي العدل Equity والكفاءة Efficiency، إذ يربط الحصول على هذه المكافآت والبدلات. بمستوى الأداء والانتماء الوظيفي ويعتمد التحفيز motivation كمبدأ أساسي للتمتع والإفادة بمزايا هذا القرار. وفي تقديري أن هذا القرار يمثل نقلة نوعية في الارتقاء بالأداء الوظيفي والانتماء الوظيفي في مؤسسات التعليم العالي. وفي الوقت ذاته فإن القرار يحمل بعداً مؤسسياً، إذ إنه يتيح للمؤسسات الناشئة القدرة على استقطاب الكوادر الأكاديمية المميزة التي تمكنها من أداء وظائفها على الوجه الأمثل.
ومادام الشيء بالشيء يذكر، فإنه على الرغم من هذه المزايا الكبيرة لهذا القرار التاريخي إلا أن هناك بعض المقترحات التي يؤمل من اللجنة المكونة من وزارات التعليم العالي والخدمة المدنية والمالية النظر فيها كجزء من المهام المنوطة بها, و يمكن إيجازها على النحو التالي:
1- النظر في أوضاع "المعيدين" الذين يمثلون اللبنة الأساسية في منظومة التعليم الجامعي.
2- إعادة النظر في وضع المكافآت والبدلات والمزايا (كبدل الحاسب الآلي, والاستفادة من خدمات السكن الجامعي لمن ليس لديهم سكن خاص على سبيل المثال) التي يتم إيقافها عن أعضاء هيئة التدريس السعوديين الذين يتم التعاقد معهم بعد التقاعد، بوصفهم ثروة وطنية لا تقدر بثمن وتستحق الرعاية والتقدير.
3- توفير المصادر المالية التي تمكن القيادات الأكاديمية في الجامعات السعودية من تحفيز أعضاء هيئة التدريس من غير السعوديين بوصفهم جزءا لا يتجزأ من المنظومة البشرية الأكاديمية التي تسهم في تحقيق أهداف الجامعة ووظائفها.
4- الإسهام في تيسير امتلاك السكن الخاص لأعضاء هيئة التدريس من السعوديين, من خلال تقديم القروض طويلة الأجل ذات الفوائد المتدنية بما يسهم في تعظيم الاستقرار النفسي لأعضاء هيئة التدريس القدامى، ويقلص قوائم الانتظار على الإسكان الجامعي للمستجدين منهم, مع أهمية الشروع فورا في صرف بدل سكن لمن يستحق.
5- حبذا تخصيص مكافأة لحضور جلسات بعض اللجان الدائمة في الأقسام وعلى رأسها اللجان المعنية بخطط الماجستير والدكتوراة.
6- مراعاة المرونة وإتاحة قدر كاف من الحرية للجامعات في تطبيق الضوابط والمعايير ذات العلاقة بالندرة والتميز وحد النصاب الأعلى للعبء التدريسي مع التأكيد على مفهوم "المحاسبية" في تنفيذها والتأكد من تحقيق الأهداف المرجوة منها.
7- على الرغم من أن أعضاء هيئة التدريس يمثلون المكون الأساسي للمنظومة البشرية لمؤسسات التعليم الجامعي، إلا أن المكونات الأخرى مثل الطلاب ولا سيما طلاب الكليات الصحية والهندسية, وطلاب الدراسات العليا، ومثل الإداريين والفنيين، يستحقون إعادة النظر في تصحيح وتعديل أوضاعهم المادية والوظيفية في مرحلة لاحقة.
وفي الختام لا بد من الإشادة بهذا القرار لما سيحققه من فوائد تعود بالنفع على الجامعات ومؤسسات التعليم العالي على وجه العموم, ومنسوبيها من أعضاء هيئة التدريس السعوديين على وجه الخصوص, إلا أنه ينبغي التأكيد على أن فاعلية هذا القرار تكمن في بعدين: أولهما تحقيق (الهدف التحفيزي) من خلال وضع الضوابط والمعايير بأسلوب يتيح لجميع شرائح أعضاء هيئة التدريس الإفادة القصوى من بنود هذا القرار, وثانيهما تحقيق (الهدف التصحيحي) ألا تكون هذه المكافآت والبدلات والمزايا المتضمنة في هذا القرار بديلا عن الزيادة الثابتة في سلم الرواتب, وتعديل كادر أعضاء هيئة التدريس في القريب العاجل, والله من وراء القصد.
أستاذ إدارة الجامعات والتخطيط
والاقتصاد التربوي في جامعة الملك سعود