أزمة التضخم والغلاء.. وجهة نظر

التضخم في أبسط معانيه يعني الزيادة في أسعار السلع والخدمات مما يؤدي إلى تدني القوة الشرائية للأفراد أو مؤسسات المجتمع. وعادة ما يعرف لدى عامة الناس بالغلاء ويقومون بشكل عفوي وتلقائي بمقارنة أسعار السلع والخدمات بين الماضي والحاضر ولا سيما كبار السن الذين يحلو لهم تذكر قيمة الريال الواحد أو غيره من فئات العملة وما كانت تؤمن لهم من السلع والخدمات فيما مضى. من هذا المنطلق فإن الارتفاع التدريجي البطيء للأسعار يمثل ظاهرة طبيعية، لكن التضخم السريع وزيادة الأسعار وارتفاعها بمعدلات متسارعة يمثل ظاهرة غير صحية تستوجب على الدولة بجميع قياداتها ومؤسساتها المجتمعية ولا سيما المعنية بالشأن الاقتصادي منها، مثل وزارة المالية ومؤسسة النقد والمجلس الاقتصادي الأعلى، التدخل المباشر لتخفيف حدة التضخم وانعكاساته على المجتمع من خلال رزمة من القرارات والسياسات النقدية والمالية والإدارية التي تعمل على كبح جماح التضخم من جهة، وتؤدي إلى تخفيف تداعياته الاقتصادية والنفسية والاجتماعية على أفراد المجتمع من جهة أخرى.
وفي تقديري أن موجة الغلاء وارتفاع الأسعار التي نعيشها في الوقت الحالي تعود إلى (عوامل خارجية) تتمثل في الارتفاع الكبير لأسعار النفط والطاقة، وهيمنة الدول الكبرى، وسيطرة الشركات العالمية عابرة القارات، وتفاقم الأزمات والاضطرابات السياسية والكوارث الطبيعية وبالتالي ارتفاع أسعار السلع المستوردة، كما أن هناك (عوامل داخلية) تزيد من حدة هذا الارتفاع تتمثل في الاحتكار وممارسات الجشع والاستغلال التي يمارسها بعض هوامير الاقتصاد في المجتمع ويتبعهم في ذلك حفنة من المرتزقة من تجار التجزئة وسماسرة العقار.
وعلى الرغم من أن مجلس الوزراء الموقر أقر في الشهور الماضية حزمة من القرارات التي تعالج التضخم وتخفف المعاناة عن المواطنين إلا أن المعالجة الشاملة لقضية التضخم وارتفاع الأسعار تستدعي الاستمرار في طرح المزيد من السياسات الجديدة والعمل على متابعة تفعيل السياسات السابقة. كما ينبغي لهذه السياسات الجديدة أن تعالج جوهر هذه القضية ولا تكتفي بمعالجة الأعراض الآنية لظاهرة التضخم وارتفاع الأسعار. إن المشكلة الحقيقية لغلاء الأسعار تكمن في عدم قدرة شريحة واسعة من المجتمع من التأقلم على تداعيات الوضع الاقتصادي الحالي نتيجة التآكل السريع للطبقة الاقتصادية الوسطى في المجتمع من جهة، وتدني مستوى الثقافة الاستهلاكية الواعية لدى الغالبية العظمى من أفراد المجتمع من جهة أخرى.
وليس المقام هنا للتحدث عن تفاصيل السياسات القادرة على التعامل مع ظاهرة التضخم والغلاء ببعديها الخارجي والداخلي، إلا أنه يمكن القول باختصار إن هذه الظاهرة تستدعي حشد الجهود والطاقات وإيجاد الحلول الجذرية الناجعة لها، ولعل الاجتماع الذي دعت إليه أخيرا السعودية في جدة وجمع بين منتجي ومستهلكي النفط في العالم أو تحفيز الاستثمار الزراعي خارج حدود المملكة يمثل انطلاقة صحيحة لتصحيح التأثير الخارجي لظاهرة التضخم، أما على الصعيد الداخلي فإن الهدف الاستراتيجي للتعامل مع هذه القضية يكمن في إحداث تغيير جوهري يضمن توسيع الطبقة الاقتصادية الوسطى في المجتمع والعمل على تزويدها بثقافة استهلاكية واعية، حيث تكون قادرة مادياً ومعنوياً على تجاوز أزمات ظاهرة ارتفاع الأسعار والتضخم في المنظور المستقبلي، إضافة إلى الاستمرار في تقديم جميع أوجه الدعم الفوري والمستدام للطبقة الاقتصادية الدنيا في المجتمع بما يتيح لأفرادها فرص الارتقاء والترقي المجتمعي بشكل دائم ومستمر من خلال توفير الخدمات الأساسية مثل الإسكان والصحة وفوق ذلك كله فرص حقيقية لتعليم وتدريب نوعي يؤمن لهم فرصا وظيفية واعدة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي