الصاحب ساحب
لا أجد نفسي كثيرا مندفعا خلف بعض الأمثال سواء العربية أو غيرها, لأن أكثرها وللأسف من النوع المسيس لمصالح خاصة سواء كانت مصالح كبيرة أو لعلية القوم أو لرجال الأعمال أو لمصالح صغيرة في حدود الشأن الخاص، ولعل من أشهرها مقولة "مد رجلك على قدر لحافك"، واللحاف هو الغطاء أي لا تمد رجلك خارج غطاءك بمعنى عش فقيرا ومت فقيرا، أو كما يقال "ليس بالإمكان أحسن مما كان"، وهذا من الأمثلة التي تدعو إلى الكسل وعدم العمل والحرص على التغيير والتطوير وأن يرضى الشخص بالقليل ويموت بالقليل ويعيش أبدا بين الحفر.
الأمثال الشعبية كثيرة وربما أعود لها بشيء من الحوار والتفصيل ولكن عندما يمر الإنسان بموقف يكون لأحد تلك الأمثال وصف دقيق له أقف متأملا ذلك المثل ومنها الصاحب ساحب. يقول صاحبنا إن الصاحب ساحب, إما للخير وإما للشر واستشهد بقصة صديق له فقال:
تجاوز الـ 50 عاما كل عام منها مليء بالعطاء والأمل العظيم، كافح من أول خطوات حياته في اختيار المدارس وسافر إلى أمريكا للدراسات العليا وأجاد وتزوج وأنجب، المسار له أخضر ولا يخلو من بعض المخاطر, والمطبات الصناعية منها ما هو ناعم ومنها ما هو صعب كل هذا الإنجاز والتحديات بدأت تتلاشى عندما ضمه مجلس مع أحد الأصحاب القدامى الذين لم يقدموا في حياتهم سوى الركض خلف كل جسم نسائي من الشرق والغرب أو من هنا، قمة طموح هذا الصاحب هي اللهو والعبث والاعتقاد بأن الحياة لا تعدو سوى نوم وأكل ولهو غير مباح.
لقد كان تأثير هذا الصاحب الفوضوي في صاحبه المثابر تأثيرا بالغا، حيث أصبح المثابر يسعى لكل مقهى ويعتقد أن كل امرأة فيه فاجرة ولم تخرج إلا للفساد وتصيد الرجال، عيبه أنه لا يقرأ النساء ولا يعرف الصالحة من الطالحة، كان تأثير صاحبه فيه مشوشا ورغبته في تعويض سن المراهقة عاليا وهو ما يؤكد المثل القائل إن الصاحب ساحب إما للخير وإما الشر وهو ما دفع هذا الصاحب للشر.
لقد وقف ثالثهم يراقب حالهما ويتذكر قول أبو الطيب المتنبي:
وإن سفاه الشيخ لا حلم بعده
وإن الفتى بعد السفاهة يحلمُ
وتسأل ذلك الثالث المراقب هل حقيقة أن سفاه الشيخ لا حلم بعده، بل هل يمكن أن يكون أحد في مثل علمه ومكانته وكفاحه يمكن أن يرجع سفيها، هل كل هذا الاستثمار في النفس ينتهي إلى سفاه شيخ يركض خلف سراب، حقيقة أن هناك من يكون في عمر الشيخ ويزني مثلا, وقد أكد ذلك عليه الصلاة والسلام عندما ذكر "وشيخ زان" ولكن يفترض في ذلك الشيخ الزاني الجهل وقلة الفهم والابتلاء بمثل هذا السفه، ولكن من رجل صرف على نفسه وصُرف عليه ليكون قدوة صالحة لأجيال مقبلة في بلد يحتاج إلى القدوة الصالحة أمر يتطلب الأمر معه الوقوف كثيرا والحوار المتعمق, لأن خسارة مثل هذه الكفاءة المجاهدة من خلال رفيق أو رفاق سوء أمر لا يحتمل ولا يقبل ويلقي على عاتق كل محب لهذا البلد العمل على منع مثل رفاق السوء هؤلاء أن يتسببوا في خسارة الوطن كفاءة تستحق الحماية والمراقبة.
أن يتصرف شاب في مقتبل العمر أو قبل ذلك العمر بمثل تلك التصرفات تجد له من الأسباب ما يدفعك للهدوء والطمأنينة ولكن أن يكون مثل هذا التصرف من رجل يدلف سن الحكمة والكهولة والقدوة فإنه أمر يجب عدم القبول به، وصدق الله القائل "حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة" الآية، هذه الآية تدل على أن المحاسبة بعد هذا العمر أشد وأشد وهنا هو اكتمال العقل والقدرة وتحمل المسؤولية.
الدنيا كما يقال مسألة حسابية، خذ من اليوم عبرة ومن الأمس خبرة وأطرح منها التعب والشقاء واجمع لها الحكمة والوفاء والعطاء والعمل الصالح وأوكل أمرك لرب السماء، فالعبرة بكمال النهايات لا بنقص البدايات, فأحسن فيما بقي يغفر لك ما مضى فلا تدري متى تدرك رحمة ربك، وهل هناك شكر لله سبحانه وتعالى أعظم من شكر العمل الصالح والقدوة الحسنة والأبناء المستقيمين الذين يدعون للإنسان! هذا الابن الذي لا يمكن أن يكون صالحا ويدعو لوالده إذا لم يكن ذلك الأب هو القدوة الصالحة لذلك الابن الصالح، يقول عليه الصلاة والسلام في ذلك " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له". كل هذه الثلاث قد لا يجدها صاحب صاحبنا إذا انقاد خلف ذلك الصاحب الساحب المتصابي, ولعل قول الشاعر في هذا المعنى ما يؤكد ذلك:
إلى كم لا تفيق من التصابي
وهذا العمر يؤذن بالذهاب
ويرضى بالقليل المرء حظا
ويزهد في الكثير من الثواب
كأنك لا ترى في كل يوم
جنائز تستحث إلى الخراب
خلقت من التراب وعن قريب
ستلحق غير شك بالتراب
وتحيا بعد موتك كي تجازى
بما قدمت في يوم الحساب
أسأل الله سبحانه وتعالى لصاحب الصاحب وصاحبه الهداية وألا يرانا الله إلا حيث أمرنا، والله من وراء القصد.