مطالب بحوكمة شركات الوساطة المالية السعودية لتفادي تكرار أزمة أسواق المال العالمية
حذر عدد من المحللين الماليين من حصر نشاط المتاجرة بالأسهم على مجموعة محدودة من المستثمرين من قبل شركات الوساطة المالية مما ينتج عنه فتح المجال لكثير من المخالفات والتجاوزات الإدارية والقانونية لتلك المكاتب.
وطالبوا بتأكيد أهمية تطبيق حوكمة شركات الوساطة المالية وتطبيق معايير الجودة على غرار حوكمة الشركات المساهمة, والاستفادة من تجارب هيئات الأسواق المالية الدولية السابقة على أن تضع هيئة سوق المال ضوابط وقيودا كفيلة بمنع حدوث تلك التجاوزات مستقبلا, وأن تراعي مكاتب الوساطة المالية أخلاقيات التعامل المهني وتس=هم في بناء سمعة قوية ينعكس أثرها في السوق المالية السعودية.
وبداية أكد الدكتور سالم باعجاجة الخبير والمحلل المالي, أن السوق المالية السعودية دخلت مرحلة جديدة في بداية العام الحالي بإنشاء العديد من شركات الوساطة المالية والتي انفصلت عن البنوك المحلية وغيرها من المؤسسات الأخرى التي تمت الموافقة من قبل هيئة سوق المال عليها.
وعلى الرغم من الدور المأمول والمنتظر من شركات الوساطة في المشاركة الفاعلة لمقومات السوق المالية، مؤكدا أنه على الرغم من الدور الذي ستلعبه تلك المكاتب في تنشيط حركة تداول الأسهم إلا أنها أسهمت في حصر نشاط المتاجرة بالأسهم في مجموعة محدودة من المستثمرين مما يفتح المجال لكثير من المخالفات والتجاوزات الإدارية والقانونية لتلك المكاتب.
وأضاف أن تجاوزات شركات الوساطة في بعض الدول لم تنحصر في الاقتصاد المحلي لكن تتعداها إلى الأسواق الإقليمية حيث أسهمت مجموعة من المكاتب في انهيار أسواق المناخ الكويتي وإحداث هزة شديدة في منظومة الاقتصاد الكويتي والإماراتي في مطلع الثمانينيات حيث كونت مجموعة من مكاتب الوساطة المالية تجمعا غير نظامي لسحب السيولة من سوق الكويت للأوراق المالية وضخها في أسواق المناخ عن طريق اتفاق مجموعة كبيرة من صغار المتداولين والمستثمرين على نقل استثماراتهم من السوق الرسمية إلى السوق غير الرسمية فأحدثت مضاربات غير منطقية على أسهم شركات وهمية.
وبين الدكتور باعجاجة, تعد تجربة سوق سانتياجو المالية في منتصف التسعينيات الميلادية تجربة أخرى تضاف إلى ملف تجاوزات شركات الوساطة المالية حيث استغلت مجموعة شركات الوساطة المالية قرار السلطات بفتح نشاط الوساطة المالية لجميع شركات التأمين في الإخلال بمبادئ العدل والمساواة بين الوسطاء الماليين. وأضاف أن من التجارب الأخرى حول تجاوزات شركات الوساطة المالية تجربة موسكو خلال منتصف التسعينيات الميلادية حيث انتشر الفساد الإداري في هيئة سوق المالية الروسية كما قام مجموعة كبيرة من شركات الوساطة الروسية بالسيطرة على صناعة القرار الاقتصادي في هيئة سوق المال.
وأشار إلى أهمية تأكيد عمل حوكمة لشركات الوساطة المالية على غرار حوكمة الشركات المساهمة, وأشار الدكتور باعجاجة أنه يتضح من تجارب الدول السابقة أن تضع هيئة سوق المال ضوابط وقيود كفيلة بمنع حدوث تلك التجاوزات مستقبلا, وأن تراعي تلك المكاتب أخلاقيات التعامل المهني وتسهم في بناء سمعة قوية لهذه المهنة.
واقترح باعجاجة أن تسن هيئة سوق المال عدة عوامل منها , تأسيس أنظمة تداول فاعلة وسريعة تحقق أهداف العملاء وتطلعاتهم المستقبلية, وإلزام أصحاب المكاتب بتعيين خبراء بالتحليل المالي والفني لتلك المكاتب من اجل دراسة أوضاع السوق وتقديمها للعملاء بأسعار رمزية, ودراسة أحوال الشركات المساهمة المستقبلية وإصدار التوقعات المبنية على معلومات حديثة, إلزام مكاتب الوساطة المالية بإنشاء صالات تداول تتوافر فيها جميع المتطلبات وتراعي النواحي الجغرافية, أن تعمل هيئة سوق المال دورات تدريبية لتلك المكاتب والعاملين فيها أسوة بما تلزم به الهيئة السعودية للمحاسبين القانونين مكاتب المحاسبين القانونيين بعمل دورات تدريبية لتطوير المهنة ولتواكب التطور الذي تشهده الأسواق المالية العالمية.
من جهته قال الوليد كمال عضو مجلس إدارة "إمباكت" للاستشارات المالية، إن قرار هيئة سوق المال تكوين شركات وساطة مستقلة وفصل نشاطات الشركات الحالية عن البنوك منع كثير من المعلومات من التسرب إلى السوق وساعد على تقليل تركيز التعاملات في عدد محدد من الوسطاء. وأضاف أنه بفتح المجال أمام شركات الوساطة الإقليمية والعالمية, دخلت إلى السوق خبرات وإجراءات عمل جديدة مما ساعد السوق على النضوج والانتظام.
وأفاد أن هذه التطورات التي حدثت أسهمت في رفع مستوى ثقة المستثمر الأجنبي بالسوق السعودية وشجعته على الإسهام في السوق, وطالب بدخول المستثمر الأجنبي سوق الأسهم حيث يعد إيجابيا حيث إنه يساعد على تحقيق نضوج وانتظام في السوق ويجعل التداول مبنيا علي وقائع مالية وحقائق اقتصادية بدلا من أن يكون مبني على المضاربة فقط.
وأشار إلى أن الوساطة المالية عملية مملة وروتينية فهي عبارة عن قبول طلبات العملاء, توصيل الطلبات إلى السوق ثم إبلاغ العملاء بتنفيذ أو عدم تنفيذ طلباتهم. وتساءل عن كيف يمكن لشركات الوساطة الحالية و الجديدة والعالمية الفوز في صراع البقاء و تمييز أنفسها؟ إن المنافسة العالمية في جميع المجالات أثبتت أن أفضل أساليب البقاء والتفوق ترتكز على تحسين جودة المنتجات والخدمات للعملاء.
ولفت الوليد كمال إلى أن كثيرا من شركات الوساطة حول العالم حاولت أولا اتباع الطريق السهل وهو المنافسة عن طريق خفض أسعار التداول ولكن سرعان ما تبين لهم أن شركات الوساطة الكبيرة التي تستطيع تحسين إجراءات العمل وتقليل تكلفة التعامل عادة ما تكون الفائزة في هذه الاستراتيجية وتكون شركات الوساطة الصغيرة أكبر المتضررين، أما أنجح الاستراتجيات التي اتبعوها فارتكزت على تقديم قيمة مضافة للعملاء عن طريق التعليم وتطوير مهاراتهم إما من خلال دورات تدريبية أو من خلال الإنترنت.
وأضاف عضو مجلس إدارة "إمباكت" أن تعليم العملاء وتطوير مهاراتهم على المدى الطويل هو من أثمن الاستثمارات التي قد تقوم بها شركة وساطة مالية ولكن معظم شركات الوساطة المحلية المشتقة من البنوك تفتقر إلى خبرات في مجال التعليم وخاصة في مجال الاستثمار وبالطرق الحديثة مما قد يجبرها على توظيف خبرات ومهارات أجنبية.
أما شركات الوساطة الجديدة والدولية فإن احتمال تأهلها في هذا المجال فهو أكبر, ومع ذلك فإن جميع شركات الوساطة ستواجه مشكلة توافر الكوادر البشرية المؤهلة في مجال الاستثمار على جميع المستويات وستضطر إلى اللجوء إلى تدريب هذه الكوادر على فترة طويلة من الزمن أو توظيف كوادر من الدول المجاورة كالكويت والبحرين والتي تعد أسواقهما أصغر من السوق السعودية ولكنها أقدم.
وأوضح عضو مجلس إدارة "امباكت", أن التحدي الأكبر هو تثقيف وتطوير مفاهيم العملاء هو تغيير بعض المفاهيم الخاطئة لدى بعض المستثمرين مثل، أسواق الأسهم يجب أن تصعد دائما أو أن الحكومات مسؤولة عن عدم تدهور الأسواق أو أن العوائد من الاستثمار في سوق الأسهم يجب أن تكون بين 30 و50 في المائة سنويا (إن المعدل التاريخي للأسواق الناشئة هو 15 في المائة), وإضافة معلومات أساسية لمفاهيمهم تتمثل في أن الأسواق بصفة عامة تتحرك بناء على أسس عالمية كنسبة نمو الاقتصاد المحلي والعالمي, والقيمة المضافة في الإنتاجية وأسعار الفائدة, لافتا إلى أن بداية طفرة أسواق الأسهم الخليجية كانت بسبب الخفض السريع لأسعار الفوائد مما قلل من جاذبية الاستثمار في الودائع أو المرابحات وزيادة جاذبية الأسهم والتي كانت تدفع عوائد بين 3 و5 في المائة سنوياْ والتي زادت ربحيتها بسبب انخفاض سعر الفائدة وسعر الاقتراض، وإن تثقيف العملاء قد يشمل تحديات أخرى مثل توضيح الفرق بين الاستثمار والمضاربة أو متى يعد المستثمر الأجنبي سعر سهماْ ما مغريا أو مكلفا.
ولفت المحلل وليد كمال إلى أن نجاح تجربة الشراكة بين البنوك السعودية و البنوك الأجنبية وحجم السوق السعودية جعل المصرفية للأفراد الأكثر نجاحاْ من حيث الربحية, التطور والإبداع من بين جميع دول الخليج ولذلك يجب تطبيق معادلة النجاح هذه لقطاع الوساطة المالية في السعودية عن طريق استقطاب أفضل الخبرات و المهارات الدولية لمساعدة هذا القطاع على القفز إلى مستويات الأسواق المتطورة.