ما معنى كلمة " استخارة " في قاموسك؟

ما معنى كلمة " استخارة " في قاموسك؟

هل تأملتم مليا في تلك القصة العميقة المعاني المملوءة بالعبر التي تتحدث عن عجوز حكيم كان يعيش في إحدى القرى الصغيرة, وكان محط احترام جميع أهل القرية, فهم يثقون بجميع آرائه ويستشيرونه في جميع همومهم ومشكلاتهم, وقد جاءه ذات يوم فلاح مهموم سائلا له بصوت محموم: ماذا أفعل يا حكيم القرية, لقد هلك ثوري وليس لدي حيوان يساعدني على حرث أرضي, أليس ذلك مصيبة كبيرة؟ فأجابه الحكيم بهدوء: ربما كان ذلك صحيحا وربما لم يكن كذلك, فأسرع الفلاح لقريته مستغربا من تعليق الحكيم البارد على مصيبته ومتشككا في صلاحية حكمته, إلا أنه شاهد في اليوم ذاته حصانا صغيرا يتجول قرب مزرعته فخطر على باله فكرة اصطياده واستخدامه في الحرث بدلا من ذلك الثور الهالك, وقام بذلك فعلا فوجد فرقا كبيرا بين الاثنين مما أسعده سعادة بالغة, وجعله يسارع إلى العجوز الحكيم ليقدم له اعتذاره عن تشككه السابق في حكمة رؤيته فقال له: لقد كنت محقا أيها الحكيم, إن فقداني الثور لم يكن مصيبة كما اعتقدت, بل على العكس فقد كان نعمة لم أستطع استيعابها مثلك, فلولا فقده لما خطر لي استخدام ذلك الحصان في الحرث, لا بد أنك توافقني على أن ذلك هو أفضل شيء حصل لي؟ فأجابه الحكيم بهدوء: ربما كان ذلك صحيحا وربما لم يكن كذلك, فاستعاد الفلاح شكه السابق وردد في داخل نفسه أن العجوز قد بالغ في اعتداده بحكمة آرائه هذه المرة, ولكن بعد مرور بضعة أيام سقط ابنه من فوق صهوة ذلك الحصان فكسرت ساقه, ولم يعد بإمكانه الحركة أو المساعدة مع والده في موسم الحصاد المهم جدا لهم, فذهب إلى العجوز الحكيم باكيا حزينا مرة أخرى وكله استعداد لتقديم مراسم الولاء والتبجيل لنظرته الثاقبة واستفسر منه قائلا: كيف أمكنك أن تعرف أن اصطيادي الحصان لم يكن خيرا, لقد كان رأيك صائبا مرة أخرى فلقد كسرت ساق ابني وهو ساعدي الأيمن في أعمالي ولن يتمكن من مساعدتي على أعباء الحصاد هذا العام, مما سيترتب عليه ديون وأعباء كبيرة, فعلا لقد كان قدوم ذلك الحصان نحسا على حياتي, لا بد أن لك الرأي نفسه هذه المرة؟ فأجابه الحكيم بهدوء: ربما كان ذلك صحيحا وربما لم يكن كذلك, فاستشاط الفلاح من هدوئه ولا مبالاته وعاد إلى قريته غاضبا ثائرا فوجد الجيش يقوم بحملة تجميع لكل أبناء القرية من الرجال القادرين على المشاركة في الحرب التي اندلعت منذ أيام, فاضطرب قلبه بشدة خوفا على رحيل ابنه لكن سعادته لم تقدر بثمن حين علم بأنهم لن يصطحبوه معهم لأن رجله المكسورة لا تجعله قادرا على القيام بالتدريبات العسكرية العنيفة!
تواجهنا يوميا عشرات الأحداث والمواقف, فكيف نبني أحكامنا عليها ونقيم خيرها من شرها, وكيف نتجنب مصيدة استباق الزمن في الحكم على الأوضاع قبل رؤية نتائجها البعيدة؟
إننا نميل إلى التفكير في نتائج أفعالنا بطريقة متسلسلة خطية, فنفكر في الفعل ثم النتائج المحتملة ثم نتائج تلك النتائج, لكننا لا نستطيع النظر للأمام ولأبعد من بضع حركات في لعبة الشطرنج, ونغفل عن أن هناك تغذية راجعة في الحدث لا تظهر إلا بعد فترة من الوقت, وربما حين تكتمل دائرتها بعد مدة فستدمر خطتنا الدقيقة, وسنكتشف حينها أن العالم أكثر تعقيدا من أي جهاز كومبيوتر, وأن عقلنا الواعي لا يرى كل شيء ولا يعرف كل شيء حتى مع وجود تلك المقادير الضخمة من القدرات الحسابية والأقمار الصناعية, وأنه لن تكون هناك أبدا نقطة نعرف عندها كل شيء عن أي شيء, وستبرز لنا بقوة معنى كلمة الإلهام المبثوثة بكثرة في مناجاتنا اليومية: اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي, اللهم أرني الحق حقا وألهمني اتباعه وأرني الباطل باطلا وألهمني اجتنابه, وسنتفهم بعمق ما معنى أن يكون في قاموس حياتنا كلمة "استخارة".
استشارية برامج تمكين المرأة

[email protected]

الأكثر قراءة