Author

الأهمية الاقتصادية لخدمات النقل الجماعي في الرياض

|
جرت في رحاب جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، أخيرا، حلقة علمية حول موضوع النقل الجماعي في المدن العربية، وهو من أهم الموضوعات التي تطرح فيما يتعلق بتنظيم حركة السير بالمدن وتيسيرها. وقد سبق أن تناولت هذا الموضوع منذ سنوات عديدة مطالباً بأن يكون لوسيلة النقل العام أو الجماعي دور أساسي داخل المدن السعودية. وأتناول توضيح أهميتها من الناحية الاقتصادية لمدينة الرياض؛ ذلك أن السعودية تأتي في صدارة دول العالم من حيث نسبة عدد السيارات الخاصة إلى عدد السكان، كما تزيد نسبة استخدام الأفراد لسياراتهم الخاصة في التنقل في المدن بشكل ملحوظ، فمازالت المركبة الخاصة هي الوسيلة الأولى والأساسية للتنقل، بما يُسببه ذلك من مشكلات الازدحام المروري والتلوث البيئي وارتفاع التكلفة الاقتصادية للأفراد والشركات والمؤسسات، وفي المقابل ينخفض استخدام خدمات النقل الجماعي أو العام بشكل ملحوظ. وتشير بعض الدراسات التي أجريت على مدينة الرياض إلى أن نسبة النقل العام فيها لم تتجاوز 2 في المائة من الرحلات اليومية التي يقوم بها الأفراد، وهي نسبة قليلة جداً مقارنة ببعض العواصم العالمية مثل لندن التي تبلغ فيها هذه النسبة 90 في المائة. ولكن هناك عوامل عديدة بدأت تقود تدريجياً إلى تزايد جاذبية المواصلات العامة كوسيلة لانتقال الأفراد في المدن الكبرى ومنها مدينة الرياض، من ذلك الازدحام المروري والتكلفة الاقتصادية والاجتماعية. وأهم الميزات التي يحققها تطوير النقل الجماعي في مدينة الرياض مساهمته في إيجاد حل مثالي لمشكلة الازدحام المروري؛ حيث أسهم النمو السريع في أعداد السيارات الخاصة في تفاقم الازدحام المروري في مدينة الرياض، خاصة وسط العاصمة، وعلى الرغم من الاستثمارات الضخمة وشبكة الطرق الحديثة التي تم إنشاؤها وتجديدها إلا أن الواقع العملي يشهد وتؤيده التجارب العالمية بأنه يصعب، بل يستحيل، القضاء على الازدحام المروري في المناطق الواقعة في وسط المدينة إلا من خلال تخفيض عدد السيارات الخاصة، وذلك بتشجيع قطاع كبير من السكان على استخدام الحافلات العامة في تنقلاتهم؛ كما أن تطوير مرفق النقل العام يمكن أن يسهم في التخفيف من ازدحام مواقف السيارات في وسط المدينة. والعامل الأهم من ذلك هو قلة التكلفة الاقتصادية للنقل الجماعي من حيث تأثيره المباشر وغير المباشر في دخل المواطن، وخاصة مع الارتفاع في أسعار السلع والخدمات في الوقت الراهن، فمن ناحية مباشرة، لا ينكر أحد أن تكلفة النقل العام تعد أرخص من تكلفة النقل باستخدام السيارات الخاصة، أما من ناحية أثره غير المباشر فيبدو عند حساب تكلفة اقتناء سيارة خاصة وتخصيصها مثلاً لتنقل الزوجة والأولاد بما يتضمنه ذلك من تكلفة استقدام سائق وإقامته والمقابل الذي يحصل عليه شهرياً. كما أن توفير وسيلة نقل عام منتظم ومجهز في مدينة الرياض يؤثر تأثيراً اقتصادياً مباشراً وفعالاً في مجال اجتذاب السياحة التي أصبحت من الروافد الاقتصادية المهمة التي تتمتع بأهمية خاصة في المرحلة المقبلة، ذلك أن نسبة كبيرة من السياح الذين يزورون أي دولة أو مدينة في العالم يضعون من بين العوامل المهمة لسفرهم إليها التكلفة الاقتصادية وسهولة الانتقال من خلال وسائط النقل العام ، فليس كل السائحين يستخدمون المواصلات الخاصة كتأجير السيارات. ولهذا أرى ضرورة الاهتمام بهذه الوسيلة ليزيد الإقبال عليها من قبل المواطنين والمقيمين على غرار ما هو سائد في الغالبية العظمى من العواصم العالمية، حيث تؤدي دوراً مهماً ورئيساً في الحياة العامة، كما أرى أن الوصول إلى المرحلة التي توجد فيها مواصلات عامة منتظمة في خطوط ثابتة ومواعيد محددة أمر ليس صعب المنال، ولكنه يتطلب اتخاذ إجراءات عديدة منها: تطوير خدمة النقل العام في مدينة الرياض، وذلك بإعداد أسطول من الحافلات المجهزة بأحدث التقنيات المتطورة وبسائقين مؤهلين فنياً ويرتدون زياً موحداً؛ وأن يتم تعميم تلك الخدمة إلى جميع الأحياء في المدينة، وأن يتم تخصيص حافلات خاصة للنساء، وأن توجد خطوط منتظمة لطالبات المدارس والجامعات، وأن يتم عمل جدول لمواعيدها وخطوطها، وتحديد أماكن وقوفها، وتجهيز مظلات وأرصفة ولوحات إرشادية تكفل راحة الركاب عند الانتظار، وأن يتم تحسين الخدمة بشكل دوري ما يجذبهم إليها. وإذا كان من السهل تحقيق ذلك بسهولة نظراً لتوافر الإمكانات المادية والبشرية، إلا أن العامل الأهم من ذلك هو العامل الاجتماعي المتمثل في تغيير النظرة العامة لدى المواطنين إلى وسائط المواصلات العامة، لأنه في الماضي وما زال الآن بعض الشيء، ينظر الناس إلى تلك الوسائط على أنها مخصصة لانتقال العمالة غير المؤهلة وذوي الدخل المحدود غير القادرين على امتلاك سيارات خاصة، أي أن هناك نظرة دونية لهم، ولكن يجب في المرحلة المقبلة النظر إليها نظرة عملية واقتصادية، لكونها غير مكلفة مقارنة بالمواصلات الخاصة، حيث يتم الفصل بين الذهاب إلى العمل وبين القيام برحلة نزهة أو زيارة. فليس هناك ما يمنع من الذهاب إلى العمل في وسيلة نقل عامة دون حاجة إلى تخصيص سيارة أو سيارات لهذا الأمر. أما النزهة والزيارة فتخصص لها هذه السيارات. فالنظر إلى الأمور بواقعية يمكن أن يحل مشكلات كثيرة؛ فتغيير النظرة إلى المواصلات العامة سيسهم، ليس فقط في إيجاد حل لمشكلة الانتقال داخل المدن، بل سيكون له أثر غير مباشر يتمثل في تعويد الناس، وخاصة الشباب، على الواقعية، وأن يكون لديهم المقدرة على مواجهة جميع الظروف والتعامل معها بعيداً عن القيود الاجتماعية. هذا فضلاً عن تأثير خدمة النقل الجماعي من الناحية الاقتصادية لكونها تلعب دوراً أساسياً في مساندة جميع الخدمات الأخرى.
إنشرها