Author

فقد السعودية المتزوجة بأجنبي لجنسيتها

|
تناولت في مقال سابق أثر زواج المواطن السعودي بامرأة أجنبية في جنسيتها وجنسية أولادها، أما زواج المرأة السعودية من رجل أجنبي فيرتب آثاراً على جنسيتها وجنسية أولادها، وقد حددت تلك الآثار المادة (17) من نظام الجنسية العربية السعودية الصادر بالأمر العالي رقم (8/20/5604 ) وتاريخ 22/2/1374هـ المعدل بالمرسوم الملكي رقم (م/54) وتاريخ 29/10/1425هـ، التي قررت أن المرأة السعودية التي تتزوج من رجل أجنبي تفقد جنسيتها السعودية، ولكن هذا الفقد لا يتحقق تلقائياً وبقوة النظام بمجرد الزواج من أجنبي، بل وضعت لذلك شروطاً محددة؛ تنص على أنه: "مع مراعاة ما جاء في المادتين 132 و133 من نظام المرافعات الشرعية، لا تفقد المرأة العربية السعودية جنسيتها إذا تزوجت بأجنبي إلا إذا سمح لها بالخروج مع زوجها خارج المملكة (وذلك طبق نظامه المخصوص)، ثم قررت وأعلنت التحاقها بجنسية زوجها ودخلت في هذه الجنسية بحكم القانون الخاص بها". والمقصود بعبارة "المرأة العربية السعودية" كل امرأة تحمل الجنسية العربية السعودية وثبتت لها صفة "السعودية" قبل زواجها من رجل يحمل جنسية دولة أخرى، وذلك سواء أكانت سعودية بالأصل والمنشأ أم كانت أجنبية ثم اكتسبت الجنسية العربية السعودية. ويتضح من هذا النص أن المنظم السعودي قد احترم إرادة المرأة السعودية التي تتزوج بأجنبي، فلم يرتب على هذا الزواج فقدانها الجنسية السعودية تلقائياً وبقوة النظام، بل جعل ذلك رهناً بإرادتها ورغبتها في اكتساب جنسية زوجها الأجنبية، وإقامتها معه خارج الإقليم السعودي، وهذا يتطلب بطبيعة الحال أن توجد رابطة زوجية صحيحة بينها وبين رجل أجنبي، أي أن يستوفي الزواج جميع شروط صحته طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية. أما الزواج الباطل أو القابل للإبطال لأي سبب من أسباب الإبطال فلا تأثير له على جنسية الزوجة. ومن الأفضل نظاماً أن يتم إثباته في وثيقة رسمية صادرة من السلطات السعودية المختصة أو لدى إحدى القنصليات السعودية في الخارج حتى يُمكن الاحتجاج به أمام القضاء والجهات الرسمية المختصة. ويترتب على ذلك أنه إذا كان الزواج صحيحاً وفق أحكام قانون الزوج الأجنبي، ولكنه باطل وفق الأنظمة السعودية، فإن هذا الشرط يتخلف ولا أثر له في فقد المرأة جنسيتها السعودية نتيجة هذا الزواج. وتأكيدا لاحترام إرادة المرأة السعودية، لم يكتف المنظم السعودي بتحقق واقعة إبرام عقد الزواج الصحيح، بل اشترط شرطاً آخر يتمثل في ضرورة أن تُعلن المرأة السعودية صراحة رغبتها إلى وزارة الداخلية في اكتساب جنسية زوجها الأجنبي، وذلك حتى يتضح بجدية زهدها في البقاء على الجنسية السعودية، وذلك سواء تم هذا الإعلان عند انعقاد الزواج أو بعده. ففقدها الجنسية السعودية لا يتحقق رغماً عن إرادتها، ولكن لابد من أن يصدر منها تصرف إرادي صريح تُعبر فيه عن رغبتها في اكتساب جنسية زوجها الأجنبية. وهذا يتطلب بطبيعة الحال أن تكون كاملة الأهلية، أي بالغة سن الرشد طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المعمول بها في البلاد، وألا تكون مصابة بعارض من عوارض الأهلية مثل الجنون والعته والغفلة وغيرها، لأن إعلان الرغبة يعد تصرفاً إرادياً، ومن ثم يجب أن تتوافر الأهلية الشرعية لدى صاحبه، وذلك حتى يكون طلبه مُعبراً عن إرادة صادقة وحقيقية وينتج أثره النظامي في فقد الجنسية. ويضاف إلى ذلك أنه يجب أن تسمح السلطات السعودية المختصة للمرأة السعودية بمغادرة الأراضي السعودية مع زوجها، وذلك في الحالة التي يكون فيها الزوج مقيماً خارج السعودية؛ أما إذا كان مقيماً في السعودية فإن زواجه من امرأة سعودية لا يترتب عليه فقدها الجنسية السعودية، بل تظل محتفظة بها. ويجب أن يكون الزوج أجنبياً لحظة إبرام عقد الزواج، سواء أكان يحمل جنسية دولة أجنبية أو كان عديم الجنسية أو متعدد الجنسيات، أما إذا كانت المرأة السعودية متزوجة من مواطن سعودي، ثم تجنس هذا الزوج بجنسية أجنبية بعد الزواج، فإنه يفقد جنسيته السعودية بعد حصوله مقدماً على إذن بذلك من رئيس مجلس الوزراء، ثم تفقد زوجته السعودية جنسيتها السعودية إذا كانت تدخل في جنسية زوجها بمقتضى القانون الخاص بهذه الجنسية الجديدة، إلا إذا قررت خلال سنة من تاريخ دخول زوجها في هذه الجنسية أنها ترغب في الاحتفاظ بجنسيتها السعودية طبقاً لما تقرره المادة (12) من نظام الجنسية، وهنا لا يشترط النظام أن تغادر الزوجة الإقليم السعودي، كشرط لفقدها الجنسية السعودية على نحو ما قررته المادة (17) بخصوص المرأة السعودية المتزوجة من أجنبي. مع ملاحظة أنه في حال زواج المرأة السعودية من رجل لا يحمل أية جنسية (عديم الجنسية أو دون جنسية) فإنه يصعب فقدها الجنسية السعودية نتيجة زواجها منه، لعدم وجود جنسية له تستطيع اكتسابها، فانعدام جنسيته يترتب عليه استحالة تحقق شرط دخولها في جنسية زوجها الأجنبية كشرط لفقدها الجنسية السعودية. ويجب فضلاً عن ذلك أن تدخل الزوجة فعلاً في جنسية زوجها الأجنبية طبقاً للقانون الخاص بها، والحكمة من هذا الشرط هي حماية تلك المرأة السعودية من أن تصبح عديمة الجنسية، فلم يتخل عنها المنظم السعودي، حتى ولو أعلنت رغبتها في اكتساب الجنسية الأجنبية، وغادرت الإقليم السعودي بالفعل، بل تطلب ضرورة اكتسابها هذه الجنسية الأجنبية بالفعل، وذلك سواء تم الاكتساب بقوة النظام كأثر تبعي وعائلي للزواج أم بإعلان رغبتها مع الزواج واستيفاء الشروط النظامية. أستاذ مشارك في كلية الدراسات العليا في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية
إنشرها