1- قياس التركز أو الاحتكار في الأسواق

[email protected]

يشتكي البعض من وجود أنشطة احتكارية لدى الشركات أو المؤسسات العاملة في المملكة، حيث تتمكن هذه الشركات من احتكار الأنشطة الاقتصادية المختصة فيها، وهو ما يعني تحديد أسعار السلع أو الخدمات المحتكرة أو كمياتها. ولا يمكن لأي محتكر تحديد السعر والكمية في الوقت نفسه وعليه الاختيار بين تحديد أحدهما. والاحتكار الكامل يعني وجود منتج أو شركة واحدة في السوق. وفي الجهة المقابلة فإن وجود أكثر من شركة في السوق لا يعني وجود سوق تنافسية بل يتطلب الأمر وجود عدد كبير تستأثر كل منها بحصة صغيرة. ومن هذا المنطلق فإن وجود عدد محدود من المنتجين أو الشركات في السوق لا يعني احتكاراً مطلقاً ولا منافسة كاملة ولكن قد يرتفع تركيز الأنشطة المعتبرة في أيدي شركة أو شركات قليلة. ولتحديد الأنشطة الاحتكارية للشركات أو المؤسسات أو المنتجين تستخدم عدة معايير. ومن هذه المعايير معيار HHI وهو اختصار Herfindahl-Hirschman Index . ويتم احتساب هذا المعيار عن طريق جمع مربعات حصص الشركات الموجودة في السوق والمزودة للسلعة أو الخدمة. ففي حالة وجود شركة واحدة محتكرة للسوق فإن قيمة المؤشر تصل إلى أعلى قيمة وهي عشرة آلاف. وإذا كان هناك شركتان تتقاسمان السوق بالتساوي فإن قيمة المؤشر ستتخفض إلى 5000 وفي حالة وجود عدد كبير من الشركات تتقاسم السوق بنسب متساوية وهي ما يعبر عنه اقتصادياً بالمنافسة الكاملة فإن قيمة المؤشر ستقترب من الصفر. وحيث إن من المستحيل الحصول على المنافسة الكاملة فإن بقاء قيمة المؤشر تحت مستوى ألف يشير إلى وجود مستوى جيد من المنافسة. أما إذا كانت قيمة المؤشر تراوح بين ألف و1800 فإن هناك تركزاً معتدلاً في السوق. وفي حالة تجاوز المؤشر 1800 فإن التركز مرتفع مما يرفع الشكوك حول وجود ممارسات احتكارية. وإضافة إلى استخدام المؤشر في تحديد التركز أو الاحتكار في السوق، يمكن استخدامه لتحديد إمكانية نشوء احتكارات في حالات الاندماج أو الاستحواذ على الشركات. فإذا رفع أي اندماج أو استحواذ من قيمة مؤشر التركز بأكثر من 100 فهذا يثير شكوك حول بروز قوة احتكارية. وتمنع بعض الدول في هذه الحالات إتمام مثل هذا النوع من الاندماج أو الاستحواذ. وقد تلجأ بعض الدول إلى تفكيك الكيانات الكبيرة التي ترفع من درجة تركز الشركات في الأسواق إذا بدرت منها ممارسات احتكارية.
وسيطرة أي منتج أو شركة على أكثر من 40 في المائة من السوق قد يمكنها من ممارسة قوة احتكارية، مما يتطلب تدخل السلطات التنفيذية أو القانونية لمراقبة تصرفات المحتكر والحد من المبالغة في التسعير. وتنتج الاحتكارات لأسباب متعددة كوجود عقبات أو حواجز أمام دخول شركات أو منتجين جدد إلى السوق مما يتطلب تذليلها إن أمكن ذلك. وقد تقف أحيانا الأنظمة أو القوانين عائقاً أمام دخول فاعلين جدد إلى الأسواق. فقبل عدة سنوات تسبب عدم منح تصاريح لشركات أخرى في احتكار شركة الاتصالات والخطوط السعودية لأنشطة قطاع الاتصالات والنقل الجوي في السوق السعودية. وعندما فتحت الأسواق بصورة جزئية ارتفع عدد الشركات العاملة مما رفع مستوى المنافسة وطور وحسن مستوى الخدمات في قطاعي الاتصالات والنقل الجوي. وانخفضت حصة شركة الاتصالات من 100 في المائة أو 10000 حسب مؤشر التركز قبل فتح سوق الاتصالات إلى نحو 80 في المائة من المبيعات في عام 2007م، وهو ما يعني مؤشر تركز مقداره 6800. وهذا الرقم يشير إلى استمرار التركز العالي في قطاع الاتصالات ولكن طبيعة هذه الصناعة التي تتطلب استثمارات كبيرة أولية لخفض تكاليف الخدمات وإعطاء مجال للمشغلين الحاليين لاسترداد قيمة الرخص المرتفعة قد تقف وراء منع فتح الباب على مصراعيه لدخول خدمات الاتصالات. وتعد أسعار رخص دخول سوق الاتصالات المرتفعة أحد موانع دخول هذا المجال. وسيساعد دخول شركة زين إلى سوق الاتصالات ودخول شركات أخرى في خدمات الهاتف الثابت في خفض مستوى التركيز الحالي إلى مستويات أقل، ولكن ومع كل هذا سيستمر التركز العالي في هذا القطاع لسنوات مقبلة. ولهذا تقوم هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات الحكومية بمراقبة تصرفات شركات الاتصالات وتحاول الحد من الممارسات الاحتكارية. ومن المتوقع أن تشكل التطورات التقنية في مجال الاتصالات أبرز التحديات التي ستواجه شركات الاتصالات في المستقبل وتخفض من سيطرتها على سوق الاتصالات. وينطبق التحليل نفسه في مجال تركيز النقل الجوي على الخطوط الجوية العربية السعودية مع وجود فارق بسيط وهو وجود حصص للخطوط الأجنبية في قطاع النقل الجوي الدولي مما يخفض من تركز الشركات في قطاع النقل الجوي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي