تتعرض الحامل للعديد من المخاطر والأمراض أثناء الحمل إذا لم تحافظ على نفسها وعلى صحتها، ويأتي على رأس تلك المخاطر الإجهاض بنوعيه العادي والمتكرر. ومن المعروف أن الإجهاض يحدث في أي عمر للمرأة لكن احتمالاته تزيد مع تجاوز عمر المرأة سن الأربعين. كما أن الإجهاض المتكرر يمكن أن يؤثر في صحة المرأة، حيث إن كل إجهاض يشكل خطورة عليها من حدوث النزيف وفقد كمية من الدم قد يعرضها إلى فقر الدم، لمعرفة أسباب الإجهاض وكيفية التصرف السليم تجاهه فإن أقصر الطرق تكون مع كفاءة طبية كبيرة ومتخصصة في هذا المجال.
الدكتور محمود سلطان استشاري أمراض النساء والولادة في مركز الدكتور سليمان الحبيب الطبي، طرق هذا الباب وفصل فيه.
في البداية، نود زيادة المعرفة بمعنى الإجهاض، وهل هناك ما يسمى الإجهاض المتكرر؟
الإجهاض عموماً هو فقد الحمل قبل اكتمال نمو الجنين وقدرته على مواصلة الحياة خارج الرحم loss of pregnancy before viability، وتعرف منظمة الصحة العالمية الإجهاض بأنه فقدان الحمل عندما يكون عمر الجنين 20 إلى 22 أسبوعا من الحمل وهو ما يوازي وزن 500 جرام أو أقل، فعند هذا العمر لا يستطيع مواصلة الحياة إذا خرج من رحم الأم ولكن إذا نظرنا لنسبة حدوث الإجهاض المتكرر نجد أنها 1 في المائة وبالتالي فالحقيقة أن نسبة حدوث الإجهاض المتكرر أعلى بكثير من حدوث الإجهاض بالمصادفة، وهذا يدل على وجود أسباب لحدوث الإجهاض المتكرر وليست المصادفة ما يدعونا إلى البحث عن هذه الأسباب ومعالجتها، ويعرف الإجهاض المتكرر بأنه حدوث الإجهاض قبل الأسبوع العشرين من الحمل ثلاث مرات متتالية أو أكثر، وهي مشكلة تعانيها ما نسبته 3 في المائة من السيدات وتزداد مع زيادة العمر فوق 35 عاماً، وحديثاً تغير هذا التعريف ليؤخذ في الاعتبار أن الإجهاض مرتين متتاليتين هو حالة إجهاض متكرر.
دور الطبيب في الدعم النفسي والدوائي
ما أسباب تكرار الإجهاض؟
هناك بعض حالات الإجهاض المتكرر سببها وجود أجسام مضادة في جسم الأم ربما تمنع التصاق الجنين بجدار الرحم أو تؤدي إلى الإجهاض Antiphosoholipid antibodies, حيث إن هذه الأجسام المضادة توجد في 15 في المائة من حالات الإجهاض المتكرر، ويمكن باختبار الدم تحديد هذه الأجسام المضادة وبالعلاج اللازم يمكننا التقليل من نسبة الإجهاض بدرجة عالية، هناك أيضاً بعض السيدات اللاتي لديهن عيوب خلقية كوجود حاجز في الرحم، ولكن في الحقيقة هؤلاء السيدات يعانين الولادة المبكرة أكثر مما يعانين الإجهاض المتكرر، ونحن نحاول ألا نتدخل جراحياً لإزالة هذا الحاجز إلا في حالات خاصة جداً، وكذلك أثبتت الدراسات أن ضعف عنق الرحم في العادة يؤدي إلى الإجهاض أو الولادة المبكرة، وهناك أيضا علاقة بين الإجهاض وحدوث بعض الالتهابات المهبلية Bacterial Vaginosis, ويمكن بالفحوص تشخيص هذه الالتهابات وعلاجها، كما توجد علاقة بين الإجهاض وبعض الأمراض مثل السكري وأمراض الغدة الدرقية, وينصح بالتحكم الجيد في هذه الأمراض قبل الإقدام على محاولة الحمل، وأيضاً يوجد بعض الحالات التي لا يوجد فيها سبب لتكرار الإجهاض وهو ما نسميه Idiopathic, أي أننا نجري جميع الفحوص ولا نجد سببا واضحا، ولكن أطمئن هؤلاء النساء بأنه أجريت دراسات وأثبتت أنه مع الرعاية والمساندة الطبية وخاصة في الأسابيع الأولى من الحمل فإن نسبة الإجهاض تقل بدرجة كبيرة.
إلى أي مدى تنتشر حالات الإجهاض غير معروف السبب؟
حالات الإجهاض التي تكون غير معروفة السبب تشكل 40 في المائة من حالات الإجهاض المتكرر, قسم منها يكون خللا في الكروموسومات غير مشخص وقسم اَخر خللا في جهاز المناعة غير مشخص، وفي هذه الحالة قد ينفع دواء الهيبارين Heparin أو الإسبرين Aspirin وأعظم علاج لحالات الإجهاض غير معروف السبب هو الدعم النفسي دون إعطاء علاج دوائي حيث نجحت ما يقارب 25 في المائة من الحالات، والنصائح التي نقدمها لمن تعاني الإجهاض المتكرر هي إيقاف التدخين للزوجين ومراعاة توفير حياة صحية عامة بغذاء صحي متكامل وعدم تناول المشروبات الكحولية، إضافة إلى أخذ أقراص حامض الفوليك Folic Acid من قبل الزوجة وممارسة الرياضة الخفيفة يومياً والمحافظة على الوزن المثالي للسيدات والروح المعنوية العالية وتقديم الدعم النفسي المستمر للزوجة.
أهمية الفحوص المختبرية عند تكرار الحالة
كيف يؤثر الإجهاض المتكرر في المرأة من الناحية الفسيولوجية؟
الإجهاض بصفة عامة والإجهاض المتكرر بصفة خاصة له تأثير سيئ في المرأة من الناحية الفسيولوجية، فإذا كان الإجهاض يحدث في الأسابيع الأولى من الحمل في كثير من الحالات يطرد الرحم الجنين كاملاً ولا نحتاج إلى عملية تنظيف للرحم، أما إذا كان الحمل متقدما أو كانت هناك بقايا في الرحم ففي هذه الحالة لا بد من التدخل الجراحي وتنظيف الرحم، وهي عملية بسيطة لكن أي تدخل جراحي يمكن أن يكون له مضاعفات من حيث التخدير أو النزيف لذلك لا بد أن تجرى هذه العمليات في غرفة عمليات معقمة جيداً وبأدوات جراحية متطورة، ومن المعروف أن الإجهاض يحدث في أي عمر للمرأة ولكن بعد سن الأربعين فإن نسبة حدوث الإجهاض تزيد بدرجة عالية، ويرجع ذلك إلى قلة عدد البويضات ذات الكفاءة العالية مع تقدم العمر ما يؤدي إلى وجود نسبة عالية من الأجنة ذات الكروسومات المشوهة وبالتالي إلى الإجهاض، لذلك ننصح بعدم التأخر في الإنجاب.
هل تنصحون بإجراء فحوص معينة في حالات الإجهاض المتكرر؟
إذا تكررت حالات الإجهاض عند المرأة فلا بد لها من إجراء كل من فحص كروموسومات للزوجين وفحص كروموسومات الأجنة بعد الإجهاض، وفحص الرحم بجهاز الموجات الصوتية (المهبلي) وفحص المبايض بالجهاز نفسه وإجراء فحص للرحم عن طريق التنظير الرحمي وفحص للدم من الأجسام المضادة، كما تجب إعادة الفحص بعد ستة أسابيع وفي بعض الحالات يلزم فحص مضادات الأجسام النووي، والواقع أن المرأة التي تتعرض لتكرار الإجهاض تكون في حالة نفسية سيئة للغاية لإحساسها بعدم القدرة على إكمال الحمل، فمعظم هؤلاء السيدات يحملن بسهولة أي أنه ليس لديهم عائق في حدوث الحمل لكن مع ذلك لا يمكنهم الاحتفاظ بالجنين حتى نهاية الحمل، وذلك بالطبع ينعكس على حالتهن النفسية فهن معرضات للإصابة بالاكتئاب وغيرها من المشكلات النفسية المعقدة، وهم يحتاجون إلى الكثير من الرعاية النفسية والمساندة من الزوج والأسرة وكذلك الطبيب المعالج الذي لا بد له أن يعطي الوقت الكافي للشرح والتفسير ومحاولة إيجاد السبب.
بساطة وسرعة عملية تنظيف الرحم
ما الذي يمكن أن تقوم به الحامل عند توقعها حدوث الإجهاض؟
يعد النزيف المهبلي من أكثر الأعراض شيوعاً أثناء الإجهاض، إضافة إلى آلام في أسفل البطن والظهر، وبعض النساء لا توجد لديهن أي أعراض إنما يكتشف الإجهاض خلال إجراء الأشعة الصوتية في عيادة الحوامل وهذا النوع من الإجهاض يسمى الإجهاض المنسي، وإذا حدث نزيف مهبلي أثناء الحمل أو شعرت الحامل بآلام فعليها مراجعة الطبيب فوراً، حيث يقوم الطبيب بفحص على البطن, إضافة إلى الفحص المهبلي الداخلي إن تيسر ذلك، وبهذه الطريقة من الممكن أن يحدد الطبيب ما إذا كان النزيف علامة من علامات الإجهاض واحتمالية استمرار الحمل من عدمه، إضافة إلى أن الأشعة الصوتية من الفحوص المهمة في الوصول إلى التشخيص.
ماذا يمكن عمله إذا استمر الحمل وماذا يحدث بعد الإجهاض؟
إذا كان النزيف بسيطا أو توقف وكانت آلام البطن خفيفة فبإمكان الحامل أن تذهب إلى منزلها وطالما أن النزيف خفيف ولكن لم يتوقف تماماً فالأفضل ألا تذهب الحامل إلى العمل مع الراحة، أما إذا زاد النزيف وألم البطن فمن الأفضل أن تدخل المستشفى وإذا أظهرت الأشعة الصوتية عدم وجود كيس حملي وكان هناك فقط بقايا للحمل أو دم متجمع في الرحم فقد تحتاج المريضة إلى تجريف الرحم أو ما يسمى عملية التنظيف، وعملية التنظيف هي عملية كحت للجدار المبطن للرحم وعند حدوث الإجهاض يقوم طبيب التخدير بتخدير الأم تخديراً كاملاً ويقوم طبيب النساء والولادة بتوسيع عنق الرحم باستخدام أداة جراحية خاصة، وبعد ذلك يقوم بإدخال أنبوب من خلال عنق الرحم ليتم شفط أو سحب البقايا باستخدام جهاز خاص بذلك، وهذه العملية عادةً تستغرق أقل من ربع ساعة فقط.