سحر الأرقام وضلالها
أرسل لي الأخ نبيل أن الأرقام تسحره فلا ينظر في موعد ووقت إلا خرجت له الأرقام مثنى وثلاثا ورباع، حتى إن عمره أصبح ثلاثا وثلاثا أي 33 عاما وهو يرسل رسالته إليّ ويريد تفسيرا لغموض وسحر الأرقام، وهو يذكرني بفيثاغوراس وأرخميدس من آباء الرياضيات.
وفي الواقع فإن للأرقام سرها وسحرها، ولفت نظري أن الذين قاموا بتفجير أبراج نيويورك كانوا تسعة عشرا، والذين قاموا بتفجيرات الرياض بعدها كانوا من نفس الرقم تسعة عشر.
وفي الآية (عليها تسعة عشر) عن رقم الملائكة في سقر؟
وأنا لا أريد توظيف الآية للسياسة بل التأمل الفلسفي، فنفس الآية ختمت بجملة "وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر". والمسيحيون يتطيرون من رقم 13، ولا طيرة ولا تشاؤم في الإسلام، وسبب ذلك أن يهوذا الأسخريوطي بزعمهم كان الحواري رقم 13، فخان ودل على المسيح في الحديقة، التي كان يجتمع فيها مع حوارييه في تلك الليلة، فقال للجند أيهم أقبِّله فأمسكوا به؟ وعندما عانق عيسى بن مريم قال له المعلم بعتني بقبلة؟
وأما فيثاغورس الفيلسوف اليوناني فقد رأى الكون كله في غمامة من الأرقام، وأوجد نحلة غامضة، اعتمدت الأرقام في كل شيء، والرجل كان رياضيا مغرما بالقوانين الرياضية، وسجل اسمه بين العظماء.
وأما جاليلو فكان في تعبيره أشد دقة، حينما قال كل الطبيعة مكتوبة بلغة رياضية، وإذا أردنا فهم الكون فعلينا قراءته بلغته التي بها كتب ونقش؟!. وأراد سبينوزا رسم الأخلاق بريشة من الرياضيات؛ فكتب كتابا بعنوان (الأخلاق مؤيدة بالدليل الهندسي).
ومنذ زمن بعيد سحرت الرياضيات بوثوقيتها أدمغة العلماء، وفي الفيزياء فإن ديكارت اعتبر أن الوثاقة واليقين هما حينما نتحدث بلغة رياضية، بالأرقام والمعادلات، وأراد نقل هذا المفهوم إلى علم الاجتماع فلم ينجح. ليس لأن علم الاجتماع ليس فيه قوانين، ولكنه التعقيد المفرط.
وفي الفيزياء النووية حينما أرادوا تحديد الإلكترون وضعوا له معادلة خاصة به، حتى جاء (فيرنر هايزنبرغ) بمعادلة اللايقين فكسر الحتمية والموضوعية، وانهار عالم فيزياء نيوتن أشلاء، وبرزت ميكانيكا جديدة اسمها ميكانيكا الكم.
ودقة العلم تأتي من وضوح المعادلات ورشاقتها الهندسية.
واليوم يتشكك العلماء في وزن الكيلوجرام المحفوظ في متحف باريس، ويرون أن أفضل طريقة لتعيين وزنه هي بالأرقام بعدد الذرات من السليسيوم الموجودة فيه، وكل ما ذكرناه يفتح بابا سحريا لموضوع الأرقام..
وهناك من بنى القرآن كله على هذا الرقم تسعة عشر (19) بدراسة قام بها عالم مصري في الكمبيوتر.
وهذا التوجه في عمومه غامض، ولكنه مثير للدراسة والجدل. ومن ضرب البرجين كانوا 19؟ ولكن الشيء المهم في تفجيرات نيويورك أو الرياض بعدها أن القتل لا يأتي إلا بالقتل، وأن الدم يثير الدم، وأن الكراهية تحرض على المزيد من الحقد، وشجرة العنف سامة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين. وفي ساحات المجالدين في روما كانوا يلطخون وجوه الضحايا من المسيحيين بالدم، إثارةً لشهية الأسود كي تفترسهم.
وينقل عن أغناطيوس وهو قديس في تاريخ المسيحية وسوري الأصل تضايق من إهانات جنود الرومان أكثر من مخالب السباع، فدعا الله أن يعجل الأسد في طحن عظامه.
والفكر يقود إلى التصورات الخطيرة، وقصة الخوارج تحكي ضيق الأفق واعتماد القسوة أكثر من الرحمة. ومن هذه التصورات ينبجس نبع لا يكف عن التدفق من الكراهية، والكراهية تدفع إلى الجريمة، ومفاهيم العنف في سلسلة من حلقات مربوطة ببعضها بعضا، في أكثر من تسع عشرة حلقة من التصور الأحادي، إلى اعتبار الآخر مارقا مريدا، والكراهية ارتداد على النفس، والحب مشاركة. وكما يقول عالم النفس السلوكي سكينر: الحرب تتبرمج في الرؤوس قبل الفؤوس.
وأيا ما كانت دلالة الأرقام ولكن الشيء الأكيد أن دخول الجنة هو لمن نزع من قلوبهم الغل إخوانا على سرر متقابلين، ونحن اليوم متورطون في ثقافة العنف إلى أمد غير معلوم.