نواتج التدريب التقني وإشكالية الالتحاق بسوق العمل: المسؤولية المشتركة

يمثل التحاق نواتج التدريب التقني والمهني بسوق العمل إحدى الغايات الرئيسة التي تسعى الدولة إلى تحقيقها في إطار جهودها الرامية إلى سعودة الوظائف والمهن في القطاع الحكومي على وجه العموم والقطاع الخاص على وجه الخصوص بوصفه القطاع المرشح لاستيعاب النصيب الأكبر من الأعداد المتزايدة من خريجي المؤسسات التقنية والمهنية.
ويبدو أن المعالجة الشاملة لإشكالية التحاق نواتج التدريب التقني والمهني بسوق العمل هي الأسلوب الأمثل لتحقيق الاستراتيجية الوطنية للسعودة التي ترتكز على أن قضية توظيف نواتج التدريب التقني والمهني هي "مسؤولية مجتمعية مشتركة" تتطلب تضافر جهود جميع الأطراف المعنية من جهة وتنأى عن توجيه اللوم لأحد الأطراف، ولا تتهاون في تنصل أحد الأطراف من مسؤوليته، وفي الوقت نفسه تترفع عن تبادل الأطراف المعنية اتهامات التقصير عن تحقيق غاياتها المنشودة في تشغيل الكوادر الوطنية في مواقع العمل والإنتاج والسعي الحثيث للارتقاء بأداء تلك الكوادر وفقاً للمعايير الدولية.
ويمثل بعد الإعداد والتأهيل إحدى المحطات الرئيسة لتنمية الكوادر التقنية والمهنية المزودة بالقيم والمعارف والمهارات اللازمة التي تحقق المواءمة مع مواصفات واحتياجات سوق العمل وتتحمل مسؤولية هذا البعد بالدرجة الأولى المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني. ولسنا في هذا المقام بصدد تقييم نجاحات المؤسسة أو إخفاقاتها منذ إنشائها لأن ذلك يتطلب تتبع الإرث التاريخي الذي تحملته جراء تبعية التعليم الفني لفترة من الزمن لوزارة التربية والتعليم ممثلة في وزارة المعارف والرئاسة العامة لتعليم البنات آنذاك، إضافة إلى المعوقات المجتمعية السائدة في ذلك الوقت، المتمثلة في النظرة الدونية لهذا النوع من التعليم والتدريب أو الصعوبات الإدارية والمالية والبشرية التي حالت دون قيام المؤسسة بدورها على الوجه الأكمل في إعداد الكوادر الوطنية والتقنية. ولعل من الأجدر أن نكرس الجهد للتركيز على المرحلة الحالية لوضع المؤسسة التي تشهد دعماً مادياً ومعنوياً غير مسبوق من قبل الدولة، الذي ينبئ إذا ما أحسن استثماره بكفاءة وفاعلية، بدخول قطاع التدريب التقني والمهني مرحلة تحول جذري في أدائه المستقبلي. ولعل من المناسب الإشارة إلى موافقة مجلس الوزراء الموقر أخيرا على التنظيم الجديد للمؤسسة الذي حمل في طياته تغيير اسمها إلى المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني وإعادة هيكلها التنظيمي ونمط حوكمتها بما يتيح لها قدراً أكبر من الاستقلالية والمرونة في اتخاذ القرار، ويمهد الطريق تجاه تبني أساليب إدارية وتنظيمية وتدريبية معاصرة، يأتي في مقدمتها الشراكة مع المؤسسات العالمية الرائدة، وتفعيل أساليب الخصخصة في مجالات وبرامج التدريب التقني والمهني.
ولعل الخطة الاستراتيجية التي أعدتها المؤسسة في العام الماضي، توضح من خلال رؤيتها ورسالتها وأهدافها الاستراتيجية، توجهات ومرتكزات المرحلة المقبلة التي تتطلب تكثيف الجهود من قبل قيادات المؤسسة ومنسوبيها من جهة، وتحتاج إلى التعاون والتنسيق والتفاعل مع الجهات المعنية ذات العلاقة مثل وزارة المالية، وزارة العمل، وزارة التجارة والصناعة، والغرف التجارية والصناعية وغيرها.
أما البعد الثاني لإشكالية التحاق نواتج التدريب التقني والمهني بسوق العمل، الذي يتحمل مسؤوليته جهات أخرى خارج نطاق المؤسسة. فيتمثل في ضرورة رسم السياسات الرامية إلى تصحيح وإعادة هيكلة سوق العمل نفسه من الاختلالات التي تقلل من فرص التحاق العمالة الوطنية وتزيد من فرص التحاق العمالة الأجنبية، وفي مقدمتها ما يتعلق بنظام الأجور وتحديد ساعات العمل. إذ ليس من المعقول أو المنطق الاقتصادي أن يقوم القطاع الخاص بتوظيف الكوادر الوطنية بأجور ومرتبات مرتفعة نسبياً مقارنة بما تتقاضاه العمالة الأجنبية. كما أنه من الصعوبة بمكان أن تتمكن الكوادر الوطنية من مجاراة الكوادر الأجنبية في نظام عمل مفتوح لساعات طويلة. هذا مع علمنا بأن هناك من القرارات والتوجهات التي صدرت لمعالجة مثل هذه الاختلالات، ناهيك عن القرارات الصادرة بخصوص السعودة، وعلى وجه الخصوص السعودة في القطاعات ذات العلاقة بعمل المرأة، أو السياسات المتعلقة بدعم المشاريع الصغيرة، إلا أن تلك القرارات والتوجهات والسياسات بحاجة إلى مزيد من التفعيل بما يزيد من وتيرة سرعة تنفيذها على أرض الواقع وبما يسهم في زيادة فرص العمل للكوادر الوطنية. وتجدر الإشارة في هذا المقام أيضاً، إلى جهود صندوق تنمية الموارد البشرية وضرورة التوسع في أنشطته وبرامجه المستقبلية للإسهام في تسكين العمالة السعودية في قطاعات الإنتاج والأعمال المختلفة.
وخلاصة القول إن إشكالية التحاق خريجي التدريب التقني والمهني مسؤولية مشتركة ذات بعدين وهما: بعد الإعداد والتأهيل ويتطلب من المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني تحمل مسؤئولياتها في المرحلة الحالية والمستقبلية لاتخاذ الوسائل والبدائل الكفيلة بتخريج الكوادر الوطنية المؤهلة تأهيلاً قادراً على المنافسة وفقاً للمعايير الدولية. أما البعد الآخر فهو بعد التوظيف ويتطلب من الجهات والأجهزة المعنية ذات العلاقة أن تسعى إلى إيجاد التسهيلات وتصحيح الاختلالات والثغرات في سوق العمل ليصبح بيئة جاذبة للعمالة الوطنية من خريجي مؤسسات التعليم على وجه العموم ومخرجات التدريب التقني والمهني على وجه الخصوص.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي