ظاهرة محزنة تؤرق المجتمعات (الإنترنت والتدخل العالمي)

[email protected]

الإنترنت عالم عجيب وغريب تستطيع أن تبحر فيه متى شئت, وأن تختار درجة عذوبة الماء. إن أردت أن تشرب ماء عذباً زلالاً، فستجده متوافراً ودون عناء، وإن أردت ماء مالحاً شديد الملوحة قد تتجاوز ملوحة البحر الميت، ستجد ذلك. وإن أردت أن تركب سفينة بحجم ومواصفات "تايتنك" تعبر بها المحيطات فلك ذلك. وإن أردت أن تبحر على قارب هادئ وجميل فيه شيء من الرومانسية فستجده متوافراً. بل إن أردت أن تشارك في سباق المجازفات عبر الأنهار المنحدرة فلك ذلك.
الإنترنت مكتبة عظيمة يمكنك الاستمتاع بها, وقضاء أوقات طويلة للنهل من معين المعرفة. ولكنها في الوقت نفسه قد تكون نادياً ليلياً لا مكان فيه للإخلاف والحياء والشرف. بل قد تكون مصدراً من مصادر الجرائم والإزعاجات التي يمارسها ضعاف النفوس فقد يقومون بتصرفات غير مسؤولة تسهم في وقوع مشكلات كثيرة داخل الأسر.
الإنترنت غابة تعيش فيها الوحوش الكاسرة وجميع أنواع الأفاعي السامة. وقد تكون ملجأ لمن لا دين له ولا أخلاق في ظل صعوبة تطبيق الأنظمة واللوائح والتعليمات التي تدين بعض التصرفات وتحيل أصحابها إلى القضاء والمحاكم ومن ثم إلى السجون.
استخدمت هذه التقنية العظيمة من قبل ضعاف النفوس للتشهير وانتهاك حرمة الحياة الخاصة لمن لا يوافق هواهم.
قصة محزنة - فتاة محافظة يشهر بها عبر الإنترنت:
أسرة كريمة غنية ومحافظة لديهما فتاة جميلة تتوافر فيها الشروط الأربعة: ذات دين , ومال, وجمال, ونسب. كانت هدفاً للافتراس من قبل أحد الوحوش الضارية, التي لا أخلاق لها ولا دين. خطط الوحش لافتراسها, ولكنه لم يوفق في المرة الأولى. لأن الفريسة حذرة ولا تشرب لا من ماء صاف وآمن. ليست مثل بعض الغزلان التي تذهب إلى الشرب من ماء عكر - مملوء بالكدر والطين- وتحيط به الوحوش من كل جانب. إنها فتاة محتشمة ومحترمة لها سمعة طيبة عند الأقارب والجيران. ولكن صمم الوحش الكاسر بعد أن وضع عينه على فريسته. كان هناك تحد كبير بينه وبين زملائه للظفر بالفريسة.
مع الأسف كانت تدخل على الإنترنت دون حذر. استطاع الحصول على صورتها الفوتوغرافية المخزنة في جهاز الحاسوب, وتسجيل لصوتها عندما كانت تتحدث مع إحدى صديقاتها. ومن هناء بدأت القصة المحزنة. فقد ظلمت عائلة بل أسرة بل مجتمع بأسره من حطاب الليل. استطاع دبلجة صورتها مع صور مخلة بالشرف حصل عليها من الإنترنت. بعد ذلك جزأ صوتها عن طريق برامج باهظة التكلفة – تعرف باسم برامج تمييز الصوت - . أنتج فيلم فيديو مخلاً بالشرف لا يزيد على 30 ثانية.
بدأ التهديد والابتزاز لكامل الأسرة. بداية, استطاع الحصول على بريدها الإلكتروني وأرسل لها المقطع طالباً منها تلبية رغباته . أصيبت بالذعر ولولا ثقتها بنفسها, لصدقت ما رأت ولكنها تمالكت نفسها, وأخبرت أحب وأستر الناس – أمها. طلبت أمها أن ترى المقطع, فرفضت المسكينة لأنه مخل بالشرف, وقد تصدق أمها الحكاية وتدخلها في نفق التحقيق. تداركت الأمر وأخبرت أخاً لها عاقلاً وله خبرة بسيطة في مجال الكمبيوتر, وذكرت له القصة بكاملها، إذ إن هذا المجرم سبق أن أرسل لها رسالة عبر البريد الإلكتروني يطلب منها المقابلة أو الحديث لأنه يرغب في الزواج منها على سنة الله ورسوله. وأنه رجل صاحب مال وجاه ولكنها لم ترد عليه. صدق الأخ أخته, ولكن المشكلة كبرت وتحولت إلى عملية ابتزاز للأسرة كافة. ضغط أقارب البنت على والدها, وأنه سيجلب العار للأسرة كافة. فاضطر إلى الرحيل إلى كندا والعيش هناك.
حقيقة، هذه ظاهر مرفوضة من جميع المجتمعات, وأصبحت تؤرق الجميع, ولهذا السبب اتخذت الحكومات والدول إجراءات حاسمة وقوية تجاه مثل هذه التصرفات. ولعل مؤتمر الأمم المتحدة الذي سوف يعقد في الشهر المقبل يتطرق إلى العلاج الناجع لمثل هذه المشكلة.
أ.د. عوض بن خزيم آل سرور الأسمري
عميد كلية الهندسة في الخرج وأمين الجمعية السعودية لهندسة الاتصالات

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي