آلية سوق العمل السعودي معطلة .. نظام الكفالة هو السبب

تنمية الموارد البشرية كانت من ضمن المواضيع ذات الأهمية الخاصة التي طرحت على جدول أعمال منتدى الرياض الاقتصادي، فعلى الرغم من أن تنمية الموارد البشرية أكبر وأشمل من توظيف السعوديين والبطالة وهمومها إلا أن موضوع البطالة بين الشباب السعودي من الجنسين كان هو الهاجس الأهم الذي سيطر على معظم المداخلات والمداولات في الجلسة المخصصة لتنمية الموارد البشرية، فهذا الموضوع القديم المتجدد أعاد بالذاكرة إلى ست سنوات مضت عندما كلفت ضمن فريق عمل لوضع أنظمة صندوق الموارد البشرية الذي أنشئ بموجب أمر ملكي بهدف المساعدة على إيجاد فرص عمل للسعوديين لكبح جماح البطالة التي بدأت تستشري بين الشباب السعوديين في ذلك الوقت. في تلك الفترة كان استقطاب الاستثمارات الأجنبية لتمويل مشاريع البنية التحتية وإيجاد عمل للشباب السعودي يحتلان حيزاَ كبيراَ من تفكير الدولة والمواطن على سواء، واليوم وبعد مضي أكثر من ست سنوات على إنشاء صندوق الموارد البشرية الذي وضِعت تحت يده موارد مالية هائلة، إضافة إلى تعيين الوزير النشط معالي الدكتور غازي القصيبي على رأس وزارة العمل وتكليفه بمهمة تكاد تكون وحيدة وهي توظيف السعوديين، نجد أن مشكلة البطالة قد تفاقمت حتى لا يكاد يوجد بيت من بيوت السعوديين دون وجود عاطل أو عاطلة عن العمل على الرغم من النمو الاقتصادي غير المسبوق مدعوماَ بارتفاع أسعار البترول التي وصلت إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق، إضافة إلى الزيادة الهائلة في حجم الاستثمارات الأجنبية خلال الفترة من 2001 إلى 2007، فضلا عن حجم الإنفاق الحكومي غير المسبوق على مشاريع البنية التحتية والمشاريع الاستثمارية طويلة الأجل.
كل هذه العوامل مجتمعة لو توافرت لأي اقتصاد في العالم مهما كان حجمه فسوف يكون هناك أزمة في إيجاد اليد العاملة وليس بطالة أو كساد في سوق اليد العاملة الوطنية على النحو المخيف الذي نراه ونسمع عنه في كل بيت سعودي، إنه من المخجل حقاَ أن تعجز الموارد الطبيعية والثروة الوطنية فضلا عن الثروات الخاصة التي تجوب الكرة الأرضية شرقاَ وغرباً بحثاَ عن الفرص الاستثمارية عن إيجاد عمل لأبنائها.
خلال المنتدى استمعنا إلى الأعذار المعلبة التي يرددها رجال الأعمال، التي مفادها أن معظم البطالة الحالية هي بطالة اختيارية حيث إن السعوديين لا يبحثون إلا عن عملِ مكتبي ومكيف أو إن مخرجات نظامنا التعليمي سيئة في الوقت الذي تشكل فيه العمالة الأجنبية التي لا تجيد القراءة والكتابة (أي الأمية) في السوق السعودية نحو 42 في المائة وأكثر من 70 في المائة من العمالة الوافدة ليس لديها حتى الثانوية العامة، هذا على سبيل المثال وليس الحصر، إذن رداءة التعليم والكفاءة ليست هي السبب الرئيسي، أنا لا أنكر أن مخرجات بعض جامعاتنا لا تتلاءم مع متطلبات سوق العمل.
أنا لا أنكر أنه يجب إعادة النظر في سياسة تشريع الباب على مصراعيه لبعض الأقسام في جامعاتنا لتخرج لنا سيلا من العاطلين عن العامل في نهاية كل فصلٍ دراسي، ولكن هذه ربما تكون جزءا يسيرا من المشكلة وليست كل المشكلة، فالمشكلة الحقيقية تكمن في عدم فاعلية سوق العمل السعودي أو بالأصح تعطيل آليتها أي تعطيل آلية قانون العرض والطب الخاص بسوق العمل. ربما يتساءل القارئ عن سبب تعطيل آلية سوق العمل وكيف تم ذلك؟ أحب أن أطمئن القارئ الكريم أن سبب تعطيل آلية سوق العمل ليس شبابنا ولا اقتصادنا ولا صندوق الموارد البشرية ولا حتى وزارة العمل، فالمتسبب في شل سوق العمل وتعطيل آليتها باختصار هو نظام الكفالة، أنا لست ضد إخواننا الذين يأتون لهذا البلد للبحث عن لقمة العيش وحياة أفضل لهم ولأبنائهم، ويساهمون في بناء اقتصادنا، بل على العكس من ذلك أنا في صفهم ضد نظام الكفالة، الذي يهضم كثيرا من حقوقهم.
قانون العرض والطلب هو الآلية، التي تبث روح الحياة في أي سوق وجعلها تعمل بكفاءة وفاعلية ولكن هذه الآلية مشلولة في سوق العمل السعودية بسبب نظام الكفالة، فمن أجل تنشيط سوق العمل وجعل آليتها تعمل من جديد يجب إلغاء نظام الكفالة الحالي واستبداله بنظام تصاريح العمل (ربما يكون هناك استثناء لسائقي وخدم المنازل حيث إن لهذه الفئة وضعا خاصا)، وبذلك تكون الدولة هي الكفيل لمن يريد العمل وليس طالب العمل سواء كان فرداَ أو شركة أو أي جهة أخرى، فعندما يتبنى هذا الإجراء تكون سوق العمل هي الآلية، التي تحدد أجر اليد العاملة حسب الدرجة العلمية والخبرات العلمية والمهارات التي يتقنها طالب العمل وليس صاحب العمل، وبذلك تكون اليد العاملة مُقيمة وفقاَ للأجر العادل الذي يحدده سوق العمل، وكما يعرف المطلعون فإن هذه الآلية مغيبة، ومعطلة تماماَ في ظل نظام الكفالة الحالي، حيث إن رب العمل يتعاقد مع العمالة ويجلبهم للعمل تحت كفالته وبالأجر الذي يحدده والذي يكون في معظم الأحيان إلا ما ندر أقل بكثير من القيمة الحقيقية لتلك اليد العاملة، ويكون العامل مجبرا على العمل لدى الكفيل وإلا تم تسفيره وهذا هو السبب الحقيقي وراء تعطيل آلية سوق العمل، فعندما يتم إلغاء نظام الكفالة فإنه سيتم تحرير سوق العمل وجعل آليتها تعمل من جديد وبذلك تخضع سوق العمل لقانون العرض والطلب، وهذا سيؤدي إلى تقييم اليد العاملة بأجرها الحقيقي بصرف النظر عن جنسيتها وعند ذلك تكون النتيجة النهائية لدى رب العمل من حيث التكلفة سيان سواء وظف سعودياَ أو أجنبيا طالما أنه يؤدي عمله بكفاءة.
من أجل تنظيم سوق العمل وضمان فاعليته يمكن لوزارة العمل أن تنشئ نظام معلومات فاعلا للوقوف على احتياجات سوق العمل السعودية من الطاقات البشرية خلال السنوات الخمس المقبلة من خلال تقدير اليد العاملة التي يمكن للسوق السعودية توفيرها خلال هذه الفترة "اليد العاملة الحالية مضافا إليها المخرجات المتوقعة للمؤسسات التعليمية" فإذا كان الطلب المقدر على اليد العاملة "الوظائف" أكبر من المعروض من اليد العاملة "طالبي التوظيف" فإن الدولة عندئذ تقوم بالسماح للشركات باستقدام اليد العاملة التي لا تستطيع السوق السعودية توفيرها، ولكن يلاحظ أن كفالة هؤلاء العمال المستقدمين تكون على الدولة من خلال منحهم تصاريح عمل محدد بفترة زمنية معينة كخمس سنوات على سبيل المثال، وليس على الشركات المستقدمة ويكون للعامل الحرية في الانتقال والعمل لدى من يشاء خلال هذه الفترة، وبهذا يكون صاحب العمل مجبراً على دفع الأجر الذي تحدده السوق لليد العاملة حتى يضمن ألا ينتقل العامل إلى صاحب عمل آخر، ولكن يجب أن يطبق هذا النظام بالضوابط التالية:
- أن تبلغ الشركة إدارة الجوازات عن العامل الذي يترك مقر عمله لفترة معينة أو ينتقل للعمل لدى شركة أخرى.
- أن يعطى العامل الذي يترك عمله الحالي للبحث عن عمل آخر فترة زمنية معينة "60 يوماً مثلا" ويجب عليه أن يجد عملاً خلال هذه الفترة، وإلا أصبح وجوده غير قانوني ويجب عليه مغادرة البلاد.
- أن يكون جميع العمال على علم مسبق بهذه القوانين وتقع مسؤولية ذلك على الشركة التي استقدمتهم لأول مرة وعلى إدارة الجوازات.
- أن تقوم الشركة التي انتقل إليها العامل بإبلاغ إدارة الجوازات خلال الفترة المشار إليها.
لو يتم تطبيق هذا الاقتراح لأصبحت البطالة في السوق السعودية جزءا من التاريخ، فآليات سوق العمل كفيلة بحل هذه المعضلة التي طالما ظلت الشغل الشاغل للمواطن والمسؤول على حدِ سواء. فرجال الأعمال هم رجال أذكياء يبحثون عن الربح وهذا حق مشروع، فالربح هو الحافز الرئيسي لأي سوق في العالم وهو الذي يبث روح المنافسة والتطوير والإبداع في اقتصاديات الدول، فعندما يجد رجال الأعمال أن تكلفة اليد العالمة الأجنبية مساويةً لتكلفة اليد العاملة الوطنية فلن يبحثوا عن اليد العاملة الوافدة/ طالما أن السعودي يؤدي عمله بالكفاءة نفسها لأنهم يعلمون أن دخل السعودي سيعاد ضخه في الاقتصاد السعودي وهذا هو السوق الرئيسي لشركاتهم بخلاف العامل الأجنبي الذي يحول معظم دخله إلى خارج الاقتصاد.
ربما يقول البعض هذا النظام لن ينجح حيث إن معظم دول الخليج تعمل بنظام الكفالة وعندما يتم إلغاء نظام الكفالة الحالي ستنتقل الشركات السعودية للدول المجاورة، دبي على سبيل المثال. أنا أتفق معهم على أن دول الخليج تستخدم نظام الكفالة وهذا سبب مشكلة البطالة المتفشية في جميع دول الخليج دون استثناء على الرغم من الثروات الطائلة التي أنعم الله بها على هذه الدول، فلا أعرف أي اقتصاد في العالم يمتلك مثل هذه الثروات والنمو الاقتصادي غير المسبوق ويعجز عن توفير فرصة عمل لأبنائه وبناته. والآن جميع هذه الدول تبحث عن حل لهذه المشكلة، فالسعودية بحكم ثقلها الاقتصادي والسياسي تستطيع أن تقنع دول الخليج بإلغاء نظام الكفالة، الذي لا أعرف بلداً يعتنقه في جميع دول العالم سوى دولنا الخليجية.
فخلال السنوات الماضية جربنا صندوق الموارد البشرية وفشل فشلاً ذريعاً على الرغم مما وضع تحت يده من موارد مالية ضخمة، وكذلك وضعنا على رأس وزارة العمل واحدا من أكثر الوزراء السعوديين نشاطاً وشهرة على المستوى المحلي ولكن كانت النتائج مُخيبة للآمال، وهذا كما أسلفت ليس تقصيراً من وزارة العمل أو صندوق الموارد البشرية، ولكن الخطأ من النظام الذي يحكم سوق العمل وأقصد بذلك نظام الكفالة، الذي شل وعطل آلية قانون العرض والطلب في سوق العمل السعودية.
مطالبتي بإلغاء نظام الكفالة ليست بجديدة فقد طرحت هذه الفكرة قبل ست سنوات عندما أثير موضوع تأسيس صندوق الموارد البشرية، ولكن في ذلك الوقت كان يتوقع أن يحل صندوق الموارد البشرية كل مشاكل البطالة وألا يبقى سعودي واحد دون عملِِ وهذا هو حال جميع قراراتنا، فدائما تستهدف النتائج النهائية دون الوقوف على الأسباب الحقيقية لحدوث المشكلة في المقام الأول، فبدون تحديد الأسباب الحقيقية لنشوء مشكلة البطالة فلن يتم الوصول للهدف المأمول. وفي نظري فإن السبب الحقيقي وراء تفشي البطالة في مجتمعنا السعودي والذي لا يكاد توجد أسرة سعودية واحدة دون أن تكتوي بنار البطالة هو نظام الكفالة، الذي يجب أن يذهب غير مأسوف عليه.
إلغاء نظام الكفالة الحالي واستبداله بنظام تصاريح العمل كما أوضحت أعلاه ليس ضرورة اقتصادية فحسب، بل واجب وطني لنعطي شبابنا فرصة للمشاركة في بناء وطنهم ومستقبلهم ومستقبل أبنائهم وبهذا نكون قد حررنا سوق عملنا ووظفنا أبناءنا وبناتنا وأرحنا وزارة العمل من ملاحقة رجال الأعمال من أجل التكرم وتحقيق نسبة من السعودة لا تتجاوز في كثير من الأحيان 20 في المائة من إجمالي اليد العاملة، والتي في الغالب تكون من الطبقات الدنيا من حيث الرواتب والكادر الوظيفي، فضلا عن التحايل على ما يسمّى السعودة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي