على الدوام تجده متشحاً بالزي المكي الأصيل، الذي يربطه أو على الأقل يذّكره بعبق الماضي الذي اقتطع جُل عمره.. يواصل الليل بالنهار دون كلل أو ملل، وخصص جل وقته لخدمة أهل الحي الذي يقطنه، ويعمل على تنمية الدور الاجتماعي والتكافلي بشكل مستمر.
ضيفنا هو الشيخ محمود سليمان حسن بيطار عمدة حي الهجلة من مواليد مكة المكرمة، تولى منصب العمدة لحي الهجلة في 24 رمضان عام 1417هـ، فتح قلبه وعقله لـ الاقتصادية" فغصنا في أعماقه كأننا نغوص في أعماق التاريخ الذي عاشه، حاورناه عن دور العمد الاجتماعي والأمني وعن مشاركة العمد في مواجهة الفئة الضالة من الإرهابيين.. لم ينكر القصور واعترف ببعض العجز في ميزانية شرطة العاصمة المقدسة التي لم تستطع أن تكمل متطلبات اللائحة التنفيذية التي أصدرتها وزارة الداخلية، كما طالب بضرورة الحفاظ على الموروث الحجازي وطالب الأبناء بالمحافظة على حرف الآباء والأجداد .. استذكر الصوم في رمضان سابقاً فأطلق الآهات وتمنى الليالي تعود كسابق عهدها بكل ما تحمله من ألفة ومحبة وتسامح.
ماذا تعني كلمة عمدة؟ وما المراحل التي مرت بها العمودية؟
العمودية كانت موجودة منذ أمد بعيد، وتعني كلمة عمدة في الأصل الشائع في الحجاز أنه كبير الحارة، وهمزة الوصل بين أفراد الحي والمسؤولين في جميع الدوائر الحكومية، وعند دخول الملك عبد العزيز طيب الله ثراه إلى الحجاز وبعد توحيد البلاد أصدر مرسوما ملكيا في عام 1346 هـ يقضي بضرورة تنظيم عمل عمد الأحياء بما يتوافق مع متطلبات ذلك العصر، فمع مرور الوقت واتساع المدن ازداد عدد الأحياء في جميع مناطق المملكة على وجه عام، وعلى وجه الخصوص في مكة المكرمة التي بلغ عدد أحيائها 60 حياً سكنياً، فصدر حينها المرسوم الملكي رقم 7 في عام 1406هـ يقضي بتنظيم أمور العمد وتعيينهم على مراتب، تبعها أمير منطقة مكة المكرمة في ذلك الوقت الأمير ماجد بن عبد العزيز، رحمة الله، بأمر ينص على تقسيم العاصمة المقدسة إلى 60 حياً سكنياً.
ما الفرق بين عمدة الأمس وعمدة اليوم؟
عمدة اليوم ليس كما كان في السابق فعمدة اليوم شاب جامعي يجمع بين التعليم والعادات والتقاليد ، ويعي تماماً حالياً الاحتياجات العصرية للحي الذي هو عمدته وذلك من خلال إدخال شبكات الحاسب الآلي في مكتبه الذي من خلاله يقوم برصد بيانات جميع السكان والمقيمين به نظراً للاتساع الهائل في الرقعة السكنية التي تشهدها مكة المكرمة على وجه الخصوص والسعودية بشكل عام، ففي السابق لم يكن للعمدة مثل هذا الدور، فعدد المساكن كان قليلا ومتقاربة وكذلك عدد السكان لا يفوق العشرات والجميع يتعارفون والوجوه مألوفة فيما بين سكان الحارة.
سكان الأحياء يرجعون تقصير بعض العمد في واجباتهم إلى كونهم من خارج الأحياء .. فما تعليقك ؟
هذا الاتهامات عارية من الصحة، فشروط تعيين العمد التي نصت عليها اللائحة التنظيمية لعمد الأحياء تنص على ضرورة أن يكون العمدة الذي يتم تعيينه من أبناء الحي ومقيما فيه بصفة مستمرة، وأن هذا الشرط في التعيين إيجابي وفعال وذلك حتى يتمكن العمدة من ممارسة أدواره بشكل فعال من خلال خبرته ودرايته بسكان الحي واحتياجاتهم ومتطلباتهم.
أين يكون مقر العمدة؟
إن اللائحة التنفيذية التي أصدرتها وزارة الداخلية تنص على أن يكون مكتب العمدة في وسط الحي كي يتمكن من القيام بواجبه لخدمة سكان الحي، ويوجد أيضاً لدى الكثير من العمد ما يسمى بالمركاز وغالباً ما يكون بجوار مكاتبهم.
ما المركاز، وما دوره في خدمة العمد وأهالي الحي؟
المركاز عبارة عن جامع أو مدرسة يتم من خلاله مناقشة كل ما يتعلق بأمور الحي واحتياجاته وذلك بالتشاور بين عمدة ووجهاء وأعيان ومشايخ الحي، ويتم رصد الحالات الفقيرة والأرامل وجميع من يحتاج إلى مد يد العون، إضافة إلى مناقشة الاحتياجات الكلية للحي مثل السفلتة والإنارة والرفع بها للدوائر الحكومية ذات الاختصاص.
لماذا بعض العمد عمدوا إلى دفع إيجارات مكاتبهم من جيبهم الخاص؟
أولا نرغب أن يكون هناك تعاون من قبل بعض الجهات وخصوصاً فروع البلديات لإيجاد مقار للعمد بدلاً من دفع الإيجارات من جيبهم الخاص، وأن اللائحة التنظيمية نصت أيضاً على ضرورة أن يتم توفير الإمكانات للعمد كوجود الموظفين والسيارة الخاصة، والتي تواجهها الأعذار بعدم وجود الميزانية حسب إفادة المسؤولين في شرطة العاصمة المقدسة.
ما دور العمدة الاجتماعي؟
يكمن دور العمد الاجتماعي في تقديم المساعدة لسكان الحي والأيتام والأرامل والفقراء من خلال حث الأثرياء من أهل الحي لتقديم المساعدة لمن يحتاج إلى مد يد العون، إضافة إلى تسجيل المحتاجين من أهل الحي لدى الجهات والجمعيات الخيرية، وكذلك العمدة يقوم بمشاركة أهل الحي في السراء والضراء.
ما دور العمد الأمني؟
لعمد الأحياء دور أمني كبير وسام فهم يقومون بتعقب المخالفين لنظام الإقامة والعمل والمجرمين وأرباب السوابق ورصد تحركاتهم والإبلاغ عنهم، وذلك بالتعاون مع الجهات الأمنية المختلفة.
ما دور العمد في مواجهة الإرهابيين من الفئة الضالة؟
كنا يداً بيد مع رجال الأمن البواسل، وكنا جميعنا موحدين سواء العمد أو الأهالي مع رجال الأمن فالهدف كان واضحاً وجلياً أمام الجميع، فما كان منا إلا أن نؤازر رجال الأمن بغية القضاء على الفئة الضالة التي كان هدفها التخريب فقط، وكان دور العمد في الأحياء يكمن في حث أهالي الحي عن الإبلاغ عن أي مجهول في داخل الحي وكان يتخفى بين الأهالي وسكان الحي، إضافة إلى تعقب السكان الجدد في الحي، فكل عمدة لديه سجل عن كل ساكن في الحي مرفق به سيرته الذاتية بالكامل.
الدراسات الأمنية أثبتت ضعف دور العمد الأمني .. فما سبب ذلك؟
على العكس تماماً فهذه الدراسات لم تتطرق إلى جميع الجوانب التي يمارسها العمدة، فهناك جهات أمنية متعددة تستعين بالعمد في ممارسة أنشطتها الأمنية داخل الأحياء وذلك لمعرفة العمد بسكان ومداخل ومخارج الحي الذي ولي عليه.
هل تفكرون في الاستعانة بالعنصر النسائي ؟ وهل للعنصر النسائي دور في مهام العمدة؟
هذا الرؤية تعود إلى ذوي الاختصاص من المسؤولين، فمتى ما رأوا أن للعنصر النسائي دورا مهما عند مشاركته للعمد واجباتهم فلا أتوقع أن يكون هناك ما يمنع ذلك، إضافة إلى أن النساء هن شقائق الرجال ولا يعني عدم تفعيل دورهم وجود القصور فيهن، بل هناك من النساء الداعيات والمفكرات وذوات المناصب القيادة في مجال تخصصاتهن.
هل هناك تعاون مشترك بين عمد الأحياء ومجالس الأحياء؟
نعم فنحن لدينا في حي الهجلة مجلس حي يرأسه الدكتور بكر عساس ونقوم على مدار العام بأنشطة متنوعة ومنها زيارة المعاقين والمسنين والأيتام وتقديم الدعم المعنوي والمادي لهم حتى نشعرهم بأن المجتمع مازال يقف معهم على الرغم من مصابهم، وتقوم أيضاً في شهر رمضان من كل عام بتنظيم مسابقة لأبناء الحي لتحفيظ القرآن الكريم تحت إشراف الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في مكة المكرمة، إضافة إلى أننا في موسم الحج نقوم بتنظيم كرنفال للترحيب بحجاج بيت الله الحرام من خلال التنسيق مع الجهات ذات العلاقة، ويهدف الكرنفال إلى شرح كيفية الحج للحجاج ولحثهم على السفر بعد الانتهاء من تأدية الفريضة وتم التوضيح لهم بالعقوبات التي ستفرض على المتخلف عن المغادرة، وكذلك نقوم بعمل المسابقات الرياضية والاحتفالات على مدار العام لأبناء السجناء وللناجحين من أبناء الأحياء حتى نؤصل العلاقة بين الكبار والأبناء ليتربى الأبناء على عاداتنا وتقاليدنا ولنفهمهم معاني كرم الأخلاق والكرم الحجازي.
عمد الأحياء متهمون بقبول الرشا من قبل المواطنين لإنجاز المعاملات .. فما تعليقك؟
على كل مواطن يتعرض للمطالبة من أحد العمد بأي مقابل أياً كان نوعه أن يتقدم للإبلاغ الفوري عنه لدى الجهات الأمنية، فاللوائح التنظيمية لعمد الأحياء حذرت كل من تم تعيينه على منصب عمدة بعدم قبول أي نوع من المكافآت سواء كانت مادية أو على شكل هدايا عينية، إضافة إلى أن الحكومة الرشيدة لم تبخل على العمد بل على العكس تماماً فهي أقرت الرواتب لهم ولم تبخل تجاههم بأي دعم هم في حاجة إليه، فمن المفترض على العمد أن يقدموا العون والمساعدة لأهل الحي بدلاً من أن يأخذوا منهم أجر معاملاتهم إن صحة الاتهامات الموجهة في سؤالك.
ما رأيكم في ظاهرة الافتراش في ساحات الحرم المكي الشريف ؟
هذه الظاهرة بلا شك من الظواهر السلبية التي تعمل إمارة منطقة مكة المكرمة على التخلص منها خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حيث قامت الإمارة بتكوين لجنة مشتركة أطلق عليها اسم "لجنة مكافحة الظواهر السلبية" وتعمل اللجنة على إزالة جميع المظاهر السلبية المسيئة لقدسية وحرمة مكة المكرمة والتي منها ظاهرة الافتراش، وإنني أعتقد أن مثل هذه المظاهر لا تحدث إلا لمعتمرين أو حجاج اضطروا لها بسبب تعرضهم لعمليات النصب من قبل بعض شركات الحج و العمرة المتعاقدين معها، ولكن اللجنة المشكلة من إمارة المنطقة حريصة على إزالة مثل هذه الظواهر من خلال فرضها للعقوبات الرادعة لمثل هذه الشركات، إضافة إلى ما تقوم به وزارة الحج من تعاون مع هذه اللجنة بحيث تقوم بتوفير المسكن لهؤلاء المعتمرين والحجاج المفترشين إكراما لهم ولتبين لهم مدى حرص حكومتنا الرشيدة على خدمتهم وتوفير أقصى سبل الراحة لهم.
لماذا اختفت الموائد الرمضانية من الأحياء؟
لم تختف هذه المظاهر بشكل كلي فهي مازالت موجودة في بعض الأحياء، ولكن أصبحت قليلة بسبب عدم وجود المساحات الكافية لإقامة مثل هذه الموائد التي يتجمع حولها أهالي الحي وعابري السبيل، إضافة إلى أننا لو عدنا لرمضان في السابق نجد ربات البيوت يتفاخرن بما يطبخن ويقمن بإرسال أفضل أنواع المأكولات لبعضهن لتجد سفرة الإفطار مليئة بكل ما لذ وطاب، وقد تلاشت هذه العادات قليلاً بسبب قيام المخططات السكنية واتساع الرقعة الجغرافية وانشغال الكثير من أرباب الأسر بالأمور الحياتية التي أصبحت تشغل جل وقتنا، ولكن للمستودع الخيري في مكة المكرمة جهودا بارزة في الحفاظ على مثل هذه العادات فهو يقيم عدد من الموائد الرمضانية في جميع مداخل مكة وتحديداً في مناطق حجز السيارات.
ما هي الشعبنة؟ ومتى تقام؟ وما الفائدة منها؟
الشعبنة هي عادة حجازية قديمة وتهدف إلى زيادة الترابط الاجتماعي بين الأسر والأقارب ولتصفية النفوس وتطهيرها من الأحقاد ولإدخال الفرح والسرور والتهيؤ لاستقبال شهر رمضان المبارك، وعرفت الشعبنة حسب المصادر التاريخية خلال القرنين الميلاديين الماضيين، حيث كانت تهدف إلى إقامة الاحتفالات الشعبية في كل عام من شهر شعبان وذلك للتخلص من الروتين الحياتي الذي يغلب على طابع الكثير ممن لم يتداركوا سرعة الوقت فنسوا تراثهم وعاداتهم.
هل أدخلتم على الشعبنة طابعا جديدا يميزها عما كانت عليه في الماضي؟
نعم فنحن أدخلنا على الشعبنة طابعا جديدا يميزها عن الماضي فقمنا بعمل قرية تراثية يتم من خلالها تقديم المورثات القديمة من أكلات شعبية أو حرف مهنية كان يمارسها أهل مكة، فمن خلال هذه القرية شاهد أبناؤنا هيئة الحارة القديمة وطريقة التعامل بداخلها، مما سيؤصر فيهم الطابع الأصيل لمكة المكرمة خصوصاً، وللحجاز بشكل عام.
إلى ماذا تدعو الشباب السعودي الذي لم يكمل تعليمه أو لم يحالفه الحظ للحصول على الوظيفة؟
إنني أدعو كل الشباب سواء المتعلم والمتدرب في مختلف التخصصات المهنية أو من لم يحالفه الحظ في إكمال تعليمة إلى احتراف الأعمال المهنية والنظرة لها على أنها هي طريق المستقبل مع إلغاء ذلك الاعتقاد الوهمي المشير إلى أن الأعمال الحرفية أقل شأناً من غيرها، كما أوصيهم بضرورة الحفاظ على الحرف والمهن التي اشتهرت بها مكة المكرمة دون غيرها من سائر المدن كمهنة الطوافة والنجارة والصياغة وصناعة الفخار وغيرها من المهن التي ستدر عليهم دخلاً وفيراً وسيتمكنون من خلالها من الحفاظ على تراث الآباء والأجداد.