مؤشر الأسعار الأسبوعي .. مبادرة ذكية لخدمة المستهلك!
يعد بيان مؤشر الأسعار الأسبوعي لبعض الأصناف في منافذ البيع بالتجزئة في منطقة الرياض، الذي تنشره أمانة منطقة الرياض، بمثابة هدية لقاطني المنطقة، بتوجيه من سمو أمير المنطقة، لإطلاعهم، من كثب، على عينات من الأسعار لبعض المواد الحيوية، التي لا يستغني عنها منزل من المنازل، ورغم حداثة تنظيم البيان ونشره، ورغم اقتصاره على بعض الأصناف من المواد الغذائية الاستهلاكية، واقتصاره كذلك على عدد محدود من منافذ البيع التي لا تحصى، إلا أن المواطن أخذ يلمس فوائده الكبيرة أسبوعا بعد آخر، والمتمثلة في اطلاعه على معدلات الأسعار والاختلافات الحاصلة فيها بين محل وآخر، والتغيرات التي تحدث فيها أسبوعيا، سواء بالزيادة أو النقص!
والحقيقة المشاهدة أن الفوائد المتعددة لهذا المؤشر لم تقتصر على المستهلك وحده، بل إنه يقدم للمشاركين فيه من المحال التجارية فائدة كبيرة، حين يتيح لكل واحد منها مراقبة ما يجري في السوق، والتعرف على موقعه هو بين المحال الأخرى بالنسبة للأسعار، ومنحه الفرصة لمراجعة هذه الأسعار في حالة ما إذا تبين له ارتفاعها عن معدلات الأسعار في المحال الأخرى، بغية الحصول على السمعة الحسنة بينها، وبالتالي اكتساب ثقة المستهلك وإقباله على الشراء منه! ويعد المؤشر من هذا المنطلق ميدان سباق وتسابق لكسب السمعة والحصول على ثقة المستهلك، ورغم قصر التجربة التي مرت، فقد تعرف الناس بما فيه الكفاية على سلوك المحال التجارية المشاركة حين نجح بعضها في مراجعة أسعاره منذ الأسابيع الأولى عندما تبين له أن ثمة زيادة فيها على الأسعار في المحال الأخرى, في حين بقي البعض منها على حاله دون مراجعة, فأصبح معروفا لدى المواطن بالمبالغة والغلاء فتركه الناس إلى غيره.
أما الفائدة الأخرى التي كشفها المؤشر للمستهلك فهي الفروق الكبيرة في الأسعار بين منافذ البيع, فقد لوحظ أن الاختلاف يصل فيما بينها إلى نسبة كبيرة في بعض الأصناف مثل أحد أنواع الأرز, إذ يصل سعره في الأسبوع المبتدئ من 21/1/1429هـ إلى 73 ريالا في إحدى الأسواق, بينما هو في سوق أخرى بسعر 54 ريالا و95 هللة, أي أن الفرق يصل إلى 18 ريالا في عبوة مقدارها عشرة كيلو جرامات فقط, وبنسبة 32 في المائة. ويبلغ سعر مادة الحليب المجفف حجم 2500 جرام 68 ريالا في إحدى الأسواق بينما يبلغ السعر 58 ريالا و70 هللة في سوق أخرى, أي بفرق بالزيادة مقداره تسعة ريالات و30 هللة وبنسبة 16 في المائة. كما يبلغ سعر مادة صابون بودرة وزن أربعة كيلو جرامات 23 ريالا و50 هللة في إحدى الأسواق في حين يبلغ سعره 15 ريالا و95 هللة في سوق أخرى, أي بفرق سبعة ريالات و50 هللة وبنسبة 47 في المائة.
وهذه أمثلة لثلاثة أصناف فقط من المواد الأكثر استهلاكا وحاجة للمواطن يصل فيها الفرق إلى نسبة عالية بين محل وآخر, وهو ما يؤكد ما كنا "ككتاب" نعلنه من أن جزءا كيبرا من موجة الغلاء مفتعل ومعزو إلى عوامل محلية, وها هو مؤشر الأسعار يثبت لنا ذلك, كما يثبت أن الافتعال والمبالغة في هوامش الربح تأتي من منافذ البيع بالتجزئة أكثر من غيرها, وأنه كلما كان المنفذ صغيرا تبرز هذه الظاهرة بوضوح.
ولذلك فإن المواطن يعلق أهمية كبيرة على مؤشر الأسعار من حيث إنه سيفضح المغالين، ويسبب الحرج لبعض المحال عندما تظهر هي الأعلى سعرا بين المحال الأخرى، وسيدفعها هذا إلى مراجعة وضعها، وحلحلة أسعارها، كي لا تفقد ثقة المستهلك نهائيا، كما أن المؤشر سيكون سببا في انتعاش بعض الأسواق، وزيادة الربحية فيها أكثر من غيرها عندما تكون أسعارها هي الأقل، لأن ذلك سيضمن اتجاه المستهلك إليها ومضاعفة مبيعاتها، على مبدأ "اربح قليلا تبع كثيرا".
ورغم إيماننا بحرص القائمين على المؤشر، على تطويره، وتلقي الملاحظات حول ذلك، فإن ثمة ملاحظات نستقيها من أفواه الناس علها تسهم في تضافر الجهود في اتجاه تحقيق الأهداف، ومنها رغبة المواطنين في توسيع القاعدة التي يشملها المؤشر، سواء من ناحية عدد الأسواق والمحال التي يغطيها، أو من ناحية عدد الأصناف المشمولة به، وإذا كان المؤشر لا يتسع للكثير من الأصناف، فيمكن أن يكون هناك تناوب بينها من أسبوع إلى آخر، حتى يتمكن المواطنون من التعرف على أسعارها، والأسواق التي تتوافر فيها، .. كما يرجو المواطنون الانتباه إلى أن بعض المحال تقوم بالتسعير بـ 95 هللة، أي بحسم خمس هللات ليبدو سعرها أقل، وهذا الأسلوب رغم أنه ينطوي على التضليل والخداع، فإن المحل لا يعيد للمواطن كسور الـ 5 هللات لعدم تعامله بها، هذا فضلا عن أن التسعير بهذه الطريقة قد يعطي ميزة لبعض المحال بحيث تبدو هي الأقل سعرا، في حين أن الهدف هو أن يكون التسعير حقيقيا بعيدا عن التضليل والمخادعة.
أخيرا يلاحظ, تعليقا على ما تضمنه المؤشر, أن بيع الأصناف بكميات محددة يعد مخالفة، أن بعض المحال الصغيرة، أي البقالات، تعمد إلى شراء الكميات المنخفضة السعر لتعيد بيعها بسعر أعلى, وهذه ملاحظة نقلها لي أحد مديري الأسواق.
إن أمانة منطقة الرياض بدعم وتوجيه من أمير المنطقة, وهي تصمم وتعتمد هذا المؤشر, تقدم خدمة كبيرة للمستهلك رغم أنها ليست هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن التموين والتسعير, بيد أن هذه الخدمة تأتي في سياق المبادرات الكبيرة التي تأخذها الأمانة على عاتقها, ومن المهم تحرك الأمانات الأخرى للاستفادة من هذه التجربة في تبني وإنشاء مؤشرات مماثلة في بقية المناطق, والأمل معقود على وزارة الشؤون البلدية والقروية وإمارات المناطق بدعم توفير ذلك والحث عليه. والله من وراء القصد.