Author

خصخصة التعليم الفني والتدريب المهني

|
[email protected] مضت أكثر من 50 عاما من تاريخ التعليم الفني والتدريب المهني، والنتيجة أنه لا توجد كوادر ســعودية واضــحة للتعليم الفني ولا التدريب المهني، بل العكس من ذلك يوجد ســـرب من الفنيين المســـتقدمين من الخارج ومازالت الشركات والمؤسسات تتســابق في كل يوم على اســتخراج التأشيرات من أجل ملء الوظائف الشاغرة بالفنيين الوافدين. إن المشــهد في ســوق العمل يبدو وكأننا لم نعن قط بالتعليم الفني ولا التدريب المهني رغم أن التعليم الفني والتدريب المهني كان وما زال في صــلب السياسة التعليمية والتدريبية للمملكة واحتل التعليم الفني والتدريب المهني شــطرا كبيرا من اهتمامات الحكومة وانشـغال المجتمع طوال ما يقرب من نصف قرن. والمشــكلة تصل إلى درجة الذهول إذا قرأنا أرقام الميزانيات التي خصصتها الدولة للتدريب المهني والتعليم الفني منــذ 50 عاما وحتى اليوم. لقد صرفت الدولة مليارات المليارات من الريالات وبســخاء شــديد من أجل بناء معاهد وكليات بمواصفات الدول المتقدمة التي تخرج كوادر وطنية تقود ملحمة الثورة الصناعية والفنية. لقد كان الجميع يتوقع أن تبني المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني بميزانياتها المستقلة وانفرادها بسلطات مطلقة.. صــرحا من الكوادر الفنية السعودية القادرة على المضي قدما لتحقيق برامج ومشاريع التنمية المستدامة، بل أكثر من هذا كنا نتوقع أن تكون مخرجات المؤسسة بنفس مســتوى مخرجات المعاهد في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان وكوريا. بمعنى أننا كنا نأمل أن يكون الفني السعودي بمستوى ومهارة وإنتاجية الفني الأمريكي والفني الياباني والفني الأوروبي والفني الكوري أنفسهم. ولماذا لا وقد وفرت الدولة المال اللازم والإمكانات اللازمة لتخريج كوادر سعودية بمواصفات كوادر الدول المتقدمة نفسها التي تصل إنتاجية عمالها إلى أعلى الإنتاجيات؟ إن المواطن السعودي لا ينقصه الذكاء ولا تنقصه الفطانة أو النجابة حتى يصــنف في المستويات الأدنى مع الفنيين الضعفاء قليلي الحيلة. إن مستوى ذكاء وفطنة الإنسان السعودي هي في المعدلات الطبيعية لأي إنسان في أي مكان من العالم المتقدم، إذن نحن نسأل المسؤولين في المؤسسة لماذا خريجو المعاهد الفنية ضعفاء في مهاراتهم وفى إنتاجياتهم وفقراء في علومهم؟ ولماذا تشكو المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص من سلوكياتهم؟ دعوني أكرر السؤال مرة أخرى, لماذا الإنسان السعودي أقل عطاء وأقل مهارة وأقل قدرة من الإنسان في أي مكان من العالم المتقدم؟ وإذا عدنا إلى الصحف في ســنوات غابرة عند افتتاح المعهد الملكي أو افتتاح الكليات الفنية أو مراكز التدريب المهني، فإننا سـنقرأ تصريحات صــحافية للمسؤولين يقولون فيها إن معايير التخرج في معاهدنا هي نفس معايير تخرج أكثر الدول تقدما في العالم، ولكن ـــ للأسف ـــ حينما نواجه واقع ســوق العمل السعودية اليوم.. نجد أن إنتاجية ومهارة العامل السعودي (هذا إن وجدت) في أدنى المستويات مقارنة مع إنتاجية ومهارة أي عامل في أي دولة أخرى. إن اســتغراقنا في البيروقراطيات حجبت عن رؤانا التنقيب عن الثروات الحقيقية وهى ثروة الموارد البشرية.. الثروة الأغلى من النفط، ولو تنبهنا إلى ثروة الموارد البشرية قبل 50 عاما وأعطيناها حقها من الاهتمام لكنا اليوم في مصاف الدول المتقدمة. إن المواطن السعودي هو ابن من أبناء هذه الأرض الطيبة المباركة التي أنجبت القيادات التاريخية العظيمة التي رأدت الدنيا وأسست الدول العظمى وأســهمت في بناء الحضارات الإنسانية، فظهر منها السياسيون وبناة الأمة والأطباء والمهندسون والفلاسفة والاقتصاديون والأدباء والشعراء حتى العمال والصناع والتجار الذين كانت إسهاماتهم ركيزة غالية في بناء صروح الحضارة الإنسانية. إن المعاهد والكليات الفنية ومراكز التدريب المهني.. هي المراكز التي تشع منها أنوار التقدم وهى المعاهد التي تخرج الكوادر التي تحقق التقدم وتصنع الطفرات وتجلب الثراء، أما الجامعات والمدارس التقليدية، فإنها تخرج الكوادر البيروقراطية التي تسير أمور العمل وربما تضع أمامه كتلا من الروتين المعرقل للإنجاز، ولذلك كل الدول المتقدمة لم تصبح دولا متقدمة إلا من خلال معاهدها وكلياتها الفنية، وكل الدول المتخلفة أو النامية لم تصبح دولا نامية إلا من خلال كلياتها ومدارسها التقليدية. وأرجو ألا يكون مســتغربا أمام واضعي السياسات التعليمية والمهنية في السعودية أن بعض المؤسسات في الدول المجاورة التي تعانى البطالة بدأت تعالج البطالة المستشرية في بلادها عن طريق وضع برامج تعليمية ومهنية تلبى طلبات سوق العمل في دول الخليج، وأنها باشــرت في دعوة شـــبابها إلى الالتحاق بهذه البرامج التي تلبى كل شــروط الطلب في سوق العمل الخليجية، وستقفز هذه الكفاءات المدربة على الوظائف في السوق الخليجية قبل أن يصلها الإنسان الخليجي المدهون بدهاني الكسل والتقاعس. وإذا كانت الدول الشقيقة المجاورة قد فطنت إلى مثل هذا التأهيل المطلوب في سوق العمل الخليجية، فلماذا لا نعيد هيكلة مؤسساتنا المهنية كي تكون مؤهلة ومخصخصة لتوفير الكوادر التي يطلبها سوق العمل السعودية. أمَـا وأن المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني لم تســـتطع أن تخرج هذا المستوى الرفيع من الفنيين السعوديين، وأنها فشــلت في توفير حتى 10 في المائة من احتياجات السوق السعودية من الفنيين، فإننا نقترح بقوة تحويل التعليم الفني والتدريب المهني إلى القطاع الخاص، وأن تقوم المؤسسة بدور الرقيب والمشرف والمتابع الذي يراهن على أعلى المواصفات في مخرجات التعليم الفني والتدريب المهني، أو لنقل إعطاء المؤسسة دور إدارة الدفة ــ كما يقول سايمون ــ مقابل إعطاء دور التجديف للقطاع الخاص. ويجب أن يكون في علم الجميع أن الهدف من خصخصة التعليم الفني والتدريب المهني.. هو تخريج الفني السعودي بالمواصفات اليابانية أو الأمريكية أو الأوروبية. ولسنا على اســتعداد لتضييع مزيد من الوقت والمال من أجل تخريج فنيين بمهارات وإنتاجيات الدول المتخلفة. ونؤكد أنه إذا ما تم وضع برامج جادة وجيدة وقامت الرقابة بدورها على أكمل وجــه، فإن النتائج ستبهرنا وسيوفر القطاع الخاص مئات الآلاف من الكفاءات وتوفر الدولة مليارات الريالات من الأموال التي كانت في الماضي تذهب هباء على دعاوى التعليم الفني والتدريب المهني الوهمي والخنفشــاري.
إنشرها