تقوم مهمة هيئة السوق المالية كمنظم، مشرع، ومراقب للسوق المالية السعودية على الاهتمام بصياغة الأنظمة والتشريعات التي تخدم وتسهل عمل مختلف وحدات الأعمال المدرجة في السوق وحفظ حقوق المتعاملين في السوق المالية، كما نصت على ذلك لوائح وتنظيمات الهيئة. كما أن من مهام الجهة الرقابية على سوق الأسهم التأكد من أن السوق مقيمة قريباً من قيمتها العادلة وأن الطروحات الأولية مقيمة بسعر عادل يضمن هدف توزيع الثروة على الشعب السعودي. لذلك، فإن موافقة هيئة السوق المالية على تسعير معين لعملية طرح أولي مقارنة بسعر آخر تنظر إليه السوق المالية هو من صلب مهام هيئة السوق المالية ومن الأمور التي تستدعي التحقيق والتحري من جانب المراقبين والمحللين.
وعلى ذلك، تتنوع المنهجيات، الطرق، والأدوات المالية التحليلية المتبعة لتقييم السعر العادل لأصل مالي معين تبعاً لتطور العلم المالي وبناء على تفضيلات المحللين الماليين وحالات الدراسة الخاضعة للبحث والتقييم بجانب شروط الجهات التنظيمية والتشريعية. ومن الأصول المالية التي تخضع لعملية تقييم مستمرة لأسعارها العادلة تبرز أسعار الأسهم التي يتم توقع أسعارها العادلة منذ اليوم الأول لطرحها وطوال فترات التداول. وعند توقع السعر العادل لسهم معين، لا تخلو التقييمات من جانب تقييم شخصي لبعض المتغيرات التي تدخل في التحليل، وهذا بالتحديد ما يظهر الفروق وتمايز الأداء بين مختلف مديري الاستثمار والأصول. وبتنحية جانب التقييم الشخصي فإن هناك عدة طرق وأساليب لتقدير القيمة العادلة مبنية على أساسيات متعارف عليها في أروقة البنوك الاستثمارية، منها التدفقات النقدية المخصومة، مقارنات الصناعة والقطاع، وغيرها من الأساليب الكلاسيكية التي هيمنت على تقييمات الأسعار العادلة لعمليات الطرح الأولي في السوق السعودية خلال السنوات الماضية، إلا أن إحدى الطرق الحديثة التي تم اتباعها من قبل البنوك التي تقود الترتيب في عمليات الطرح الأولي تبرز طريقة بناء سجل الأوامر.
فمن نافلة القول، إن بناء سجل الأوامر يسعى بالدرجة الأولى إلى المقاربة بين سعر السهم بعد التداول وسعر الاكتتاب المطروح للمساهمين، أي تقليل حالة الضبابية وعدم التأكد قد تواجهها الشركة المصدرة تجاه تقييم أسهمها، وبالتالي العوائد المتحققة، وحالة عدم التأكد التي قد يواجهها المستثمر أو الشركة المطروحة للاكتتاب جراء بعض التقييمات غير الموضوعية التي قد تأخذ مكاناً تبعاً للوضع الاقتصادي العام وحالات تضارب المصالح بين الأطراف ذات العلاقة. لذا، فمن المفترض أن تتمتع طريقة بناء سجل الأوامر بمزايا تفضلها على طرق التقييم الأخرى، إلا أن المزايا وتفضيل طريقة تقييم على أخرى تظل محلاً للشك طالما لم يتم الكشف عن منهجية التحليل والتقييم المتبعة لكل الطرق. بمعنى آخر، لن تكون هناك ثقة أقرب إلى التمام ما لم تكن هناك شفافية كاملة. فمن المنطقي أن تلجأ المؤسسات الاستثمارية المشاركة في بناء سجل الأوامر إلى نماذج تقييم كلاسيكية تقليدية أو أخرى معقدة لإعطاء سعر وكمية محددة لمدير سجل الأوامر خلال فترة العرض، كتلك النماذج التي يتم استخدامها لتقييم الطروحات الأولية بالسعر المحدد، أي أن عملية تقييم السعر العادل الكلاسيكية يتم تمريرها لبناة سجل الأوامر ليقوموا بمهنة التقييم وتحديد السعر العادل للطرح. ولكن تشير حقيقة الوضع القائم إلى قيام مدير الترتيب وبناء سجل الأوامر بالتشاور مع الشركة المطروحة للاكتتاب الأولي بشأن نطاق بناء سجل الأوامر والسعر الذي تم التوصل إليه قبل التحديد النهائي لسعر الطرح. إذن، فمدير بناء سجل الأوامر يحصل على معلومات تشمل عروض المؤسسات الاستثمارية وصناديق الاستثمار بناء على تقييمها الأسهم المطروحة دون أن يقوم بتوفيرها للمكتتبين الأفراد، والله أعلم، إن تم توفيرها بعض الصناديق الاستثمارية.
فعلى الرغم من حسن النية في استخدام آلية الاكتتاب الجديدة نسبياً ممثلة في التقليل من تباين البنوك الاستثمارية في تحديد السعر العادل للأسهم المطروحة للاكتتاب مقارنة بالسعر الذي تستقر عليه الأسهم، إلا أن طريقة بناء سجل الأوامر بوضعها الحالي ينقصها المزيد من الشفافية التي ستضيف قيمة وتقديرا إلى عدالتها. فبعض المعلومات التي يتحصل عليها مدير بناء سجل الأوامر بالإمكان توفيرها للمكتتبين وتضمينها في نشرة الإصدار، كمتوسط السعر وكمية الأوامر المطلوبة أو توفير تقييم سعر الطرح بإحدى الطرق التقليدية كالتدفقات النقدية المخصومة بهدف المقارنة. قد يقول قائل إن معرفة هذه المعلومات ستشكل توجيهاً للسوق وسعر السهم المستقبلي سواء أكان هبوطاً أم صعوداً. نعم، من الأرجح أن تؤثر هذه المعلومات في سعر السهم ليتحرك باتجاهها خصوصاً إذا كان سعر الطرح مغايراً لها، إلا أنها ستشكل في الوقت ذاته سقفاً أو حداً أدنى لتحركات السهم بعد الطرح بما يسهم في التقليل من حدة التذبذب السعري أو المبالغ فيه Overshooting. إضافة إلى ذلك، فإن توفير معلومات مالية للمقارنة ستحسن من مستوى معرفة المستثمرين الأفراد وتجعلهم في موقع أقرب إلى المعلومات التي تتفوق بمعرفتها صناديق الاستثمار كالتقييم بالطرق التقليدية.
وأخيراً، من الإنصاف الإشادة بطريقة تخصيص الأسهم التي اتبعت في الطروحات الأولية لشركات ذات شراكة حكومية أو شبه حكومية حين وفرت للأفراد حصصاً أكبر من المؤسسات، خصوصاً لشركات تعمل في مجال تكرير النفط والبتروكيماويات، فالمهم بجانب الشفافية وتوفير أكبر قدر من المعلومات هو الحرص على المساواة والعدالة مع الأجيال القادمة التي لها نصيب في هذه الثروة الناضبة.
