في الحلقة السابقة (الأولى) ركزنا على ما ورد في خطبته صلى الله عليه وسلم عن حقن الدماء وهو ماله علاقة (بحق الإنسان في الحياة) وما يترتب على ذلك من كرامة وأمن الإنسان، وأوردنا ما جاء عن ذلك الحق في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والآن نتحدث عن:ـ
حرمة الأموال و(حق التملك)
الأموال كما نعلم هي عصب الحياة وقوام الاقتصاد ووسيلة الاستثمار ومحرك التنمية وثمرة الجد والاجتهاد والفكر النير والتدبير والإدارة الحسنة، والإسلام أدخل المال ضمن الضروريات الخمس التي يجب على المسلم الحرص والمحافظة عليها، والمسلم لو قتل دون ماله فإنه شهيد بأمره عز وجل لذلك وردت حرمة الأموال بعد حرمة الدماء مباشرة في خطبة الوداع لأهمية الأموال وحمايتها والحرص على المحافظة على (حق التملك)، والمال هو الأصول الثابتة والمنقولة ويدخل في ذلك: العقار، السندات، الأسهم، النقود (السيولة)، المجوهرات، الذهب، الفضة، البلاتبن والنفائس وغير ذلك من ضروب الثروات والخيرات التي يمتلكها صاحبها وله الحرية الكاملة في التصرف فيها ويدخل المال بكل أنواعه تحت مظلة (حق التملك)، والمال من زينة الحياة الدنيا ومن الشهوات التي فطر الإنسان على محبتها والحرص عليها (وتحبون المال حباً جماً) الفجر (20)، (المال والبنون زينة الحياة الدنيا...) الكهف (46)، لذا، شدد الإسلام على حرمة المال وأمنه وقطع يد السارق وحفظ المال وحسن إدارته حفاظا على أموال وجهود من يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله (التجار) كما حرم الإسلام اغتصاب مال الغير أو استغلاله أو حتى مزاحمة صاحب المال في ماله أو مصادرة المال وتأميمه بدون حق شرعي.
تجارة البشر
كما أكد الإسلام أهمية أن يكون المال من مصدر حلال بين ولا ينفق أو ينمى إلا فيما ينفع، وفي تنمية التجارة وفي سبيل الله وعدم ابتزاز الناس واستغلال الضعفاء منهم مثل ما يسمى في مجال حقوق الإنسان – (تجارة البشر) وهي ليست فقط تجارة الرقيق واستعباد الناس ولكنها تمتد إلى كل أنواع استغلال البشر وتعريض كرامتهم للانتهاك وتخويفهم وسلبهم حريتهم بل وأحيانا تعريض أرواحهم للخطر مثل العصابات التي تستغل النساء والأطفال في (التسول) أو الذين يدفعون النساء (للبغاء) أو الذين يهربون الناس تحت جنح الظلام لأراضي الغير بدون إذن، أو الذين يستغلون العمال وعاملات المنازل للعمل ساعات طويلة دون أن يخصصوا لهم وقتا لراحتهم والاعتناء بشؤونهم أو تكليفهم بعمل لا يفهمونه أو لا يطيقونه أو أولئك الطامعون القساة الذي يبتزون العمال وغيرهم من المستضعفين بدفع مبالغ مرتفعة شهرية كإتاوة لهم مستمرة مقابل حصولهم على تأشيرات بأعداد كبيرة لدخول البلاد وقد لا يستطيع العامل الضعيف تحمل تلك الإتاوة القاسية، وغير ذلك من ضروب سوء استغلال البشر وظلمهم.
المال الحرام
يضاف إلى ذلك كله الأموال الحرام التي تخرج من مستنقعات الربا والرشوة من تجارة المخدرات والمسكرات ومن غسيل الأموال ومضاربات الأسهم التي تعتمد على ألاعيب رفع أو خفض قيمة الأسهم لصالح المضاربين ظلما وعدوانا وتضليل الناس وابتزازهم والتلاعب بأموالهم، لذلك كله أكد الرسول صلى الله عليه وسلم على حرمة الأموال وأنه لابد أن تتدفق في قنوات الحلال، وفي الحلقة القادمة نكمل ما تبقى من (حق التملك).
