دعهم وما يفعلون ... أما نحنُ فإننا مسلمون(2 من 2)
الحديث والنقاش عن (الوهابية) لم يكن يوماً ليتوقف، ولكنه يضفي يوماً بعد يوم حراكاً منطقياً على الساحة الفكرية في الوطن العربي إذا أدخلنا عليها مقارنات وأسئلة منطقية للحوار حولها. والسؤال هنا: هل الفكر (المتطرف) موجود فعلا في المجتمع المدني السعودي بالصورة التي يتكلم عنها الغرب؟ السؤال الآخر: هل الوهابية الإصلاحية لها علاقة بالتطرف الداخلي أو الإرهاب العالمي؟
الجواب (لا) في كلتا الحالتين، فبعد أن استعرضت تاريخياً الحركات الدينية في الوطن العربي خلال القرن الماضي في مقالي السابق كفيلم وثائقي للوقوف أمام حقيقة ثابتة، وقسمت الحركات الدينية إلى فريقين، (الفريق الأولى) وهو الوهابية من السعودية وحزب الإخوان المسلمين من مصر وأضيف إليها حزب الله من لبنان، و(الفريق الثاني) ما انسلخ منهما تنظيماً أو فكرياً مثل القاعدة والتكفير والهجرة والجهاد وفيلق البدر وجيش المهدي، والواقع يثبت أن الفريق الثاني انتصر فكريا وعملياً على المجتمع المدني العربي، وفي أعتقادي الجازم أن الفريق الثاني أفاد (الغرب) كثيراً، وأوجد له المبرر المنطقي لأن يضع (الإسلام) بطوائفه كافة في قائمة الإرهاب والتطرف.
وما حدث ليس بحاجة إلى التذكير فوسط تلك العاصفة الهوجاء من العناوين أسقط الجميع الحقائق التاريخية، ثم ما لبثوا أن استدركوها بعد (تعريف الإرهاب) ولكن بعد فوات الأوان، وتبين لاحقاً أن الحركات الإسلامية المتطرفة، استمدت قوتها مالياً وفكرياً من الحكومات العربية، وسياسياً وعسكرياً من الحكومات الغربية، وبعد نجاح الغرب في إسقاط الشيوعية، تغيرت موازين واستراتيجية السياسة الغربية، وأصبح (الإسلام) بمفهوم صراع الحضارات الذي تبناه الكاتبان الأمريكيان صامويل هنتنجتون وفرانسيس فوكوياما هو (الحدث) الجديد، حيث شهدنا بعد ذلك حجم الدمار التي أصاب المسلمين في كل أرجاء العالم.
إن الأزمة التي يشهدها العالم العربي تحديداً في مطلع القرن الواحد والعشرين، هو استمرار النزاع على المجتمع المدني ما بين (الثقافة) الدينية للفريق الأول، و(عنف) الطائفية للفريق الثاني، وتغلب الأخير على واقع المدنية الإسلامية بسبب جمود الفكر الديني العام أمام متطلبات المجتمع العربي خلال القرن الماضي، وظهور واقع جديد هو (تسييس الدين) و(تديين السياسة).
لذلك فإن الأزمة التي نعيشها الآن قاربت النهاية، وأحداثها الأخيرة في جعبة الممثل الكاوبوي الأمريكي القادم من تكساس، فخامة الرئيس بوش الذي يحمل ما بين ملفاته، نظرية الكاتب الأمريكي فرنسيس فوكوياما، وهي أن (العالم العربي يعيش في مرحلة ما قبل التاريخ(، وهذه المقولة التي استفزت الكثيرين منا وغضبنا منه كثيراً وسننا أقلامنا للرد عليها، أثبتت واقعيتها الأحداث التي نعيشها، وأصبحنا في عمق ذلك الوصف، واليوم نحنُ كأمة عربية أصبحنا على المحك! وماذا سنقول لطلباته المتوقعة في زيارته الحالية للوطن العربي؟
كان الله في عون حكامنا العرب! ليس لديهم شعوب متماسكة ولا صفوف متوحدة، وأصبحت بطاقات المفاوضة لديهم مكشوفة وواضحة للطرف الآخر، وهي السلام دون شرط أو قيد؟
لذلك أقول نريد أن نبدأ من أول السطر، جيل اليوم يريد أن يحفظ مكانة المقدسات الثلاثة التي قال عنها رسول الله محمد، جيل اليوم يريد أن يكون (مسلما) يشهد أن (لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله)، جيل اليوم يريد أن يحمل راية واحدة وعلماً أخضر واحدا يرفرف على قلوبنا وعقولنا، جيل اليوم يريد أن يكون(مسلما) يعمل تحت أنظمة شرعية وقواعد اجتماعية مدنية مرنة وليست جامدة كما ذكرها ابن خلدون الكندي، جيل اليوم يبحث عن (بنك إسلامي) لتنظيم توزيع الثروة كما فعلها العالم الإسلامي محمد يونس في بنك الفقراء، جيل اليوم يبحث عن جامعة أبحاث ومراكز تطوير، ليحول جهودنا الإنسانية والعلمية إلى عمارة الأرض وليس هدمها، لنا انعكاسات حضارية واضحة في حياة الإنسان على الصعيد الفردي أو الجماعي، ونتحول معها إلى غايات الشاعر العربي الذي يقول (نحن عُشاق النهار، سنظل نحفر في الجدار، إما فتحنا ثغرة للنور، أو متنا على وجه الجدار).
العالم العربي لا يحتاج إلى ديمقراطيين أو جمهوريين، يكيلون لنا بمكيالين، يقفون مع قضايانا الاجتماعية في جانب، ويكيلون في الجانب الآخر مصائب وكوارث تزيدنا احتقانا، إن إيماننا بحقوق الإنسان ليس بسبب العناصر (المارقة) التي تعيش في كنف الدول الغربية، ويصرخون من خلف استوديوهاتهم الصغيرة، التي تشبه غرف الكهوف التي يعشون فيها.
ختاماً يجب علينا تقديم منهج ديني متكامل ومتمدن، يقوم على القواعد الأساسية للقرآن الكريم (الكتاب المنزل) التي سطرها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أعطي الحق الكامل للأمة في مشاركة ولي الأمر طبقاً لنظام الحكم في السياسة والاجتماع والاقتصاد القائمة على الشورى والعدل، حتى يكون واقعنا الإصلاحي الصحيح هو الرد الجازم على هذه التهم. نداؤنا إلى زعماء العرب وعلمائها الأفاضل الكرام، نريد بث روح الإخاء والتسامح والمدنية في دماء شباب الأمة العربية، لنقف أمام العالم ونقول (نعم نحنُ مسلمون)، لسنا سُنة ولا شيعة وإنما نحنُ على قاعدة المساواة طبقاً للآية الكريمة (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)