التوجيه الملكي الذي وجهه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في مستهل جلسة مجلس الوزراء إلى الحكومة بضرورة التخطيط المالي والاقتصادي هدف إلى حماية المستوى المعيشي للمواطنين بما يحافظ على القوة الشرائية لدخولهم، وكذلك ناشدهم ضرورة تبسيط الإجراءات والتواصل المستمر مع متلقي خدماتها ورفع كفاءة ما تنفذه من مشاريع حتى تعم الفائدة جميع المواطنين.
إن المليك المفدى وهو يصدر هذه التوجيهات الكريمة، في هذه الأيام بالذات إنما يعبر عن إحساسه بنبض الشارع الذي ما فتئ يلتمس من حكومته السنية العون والمساعدة لمواجهة غول الغلاء الذي ضرب كل مستويات احتياجاته المعيشية من السلع والخدمات.
ولا شك أن موجات ارتفاعات الأسعار التي تجتاح السوق السعودي.. ستضر كثيرا بمشروع الرفاهية الاجتماعية للمواطن, الذي تتبناه الدولة في فترة الازدهار الاقتصادي التي نعيشها في هذه الأيام. ولكن حتى تحافظ الدولة على رفاهية المواطن فإن زيادة الرواتب وحدها لا تكفي وإنما الأمر يحتاج إلى زيادة الرواتب وأيضًا إلى سياسة مالية ـ كما أشار إلى ذلك التوجيه الملكي - تتوج بعلاوة دائمة تسمى علاوة غلاء المعيشة.
وقبيل أربعة أشهر أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز توجيهًا كريمًا بدراسة أسباب الغلاء, الذي يجتاح السوق السعودي وكلف الجهات المسؤولة بوضع التوصيات اللازمة للتخفيف على المواطن من غول الغلاء، وبعد ذلك صرح سمو ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز بضرورة أن تتخذ الحكومة مجموعة من الإجراءات الفعالة لضبط الأسعار ومنع ارتفاعها، وإضافة إلى ذلك اجتمع الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية مع أمراء المناطق وكان بند ارتفاعات الأسعار في مقدمة جدول الأعمال، وطالب الأمير نايف جميع أمراء المناطق بضرورة معرفة أسباب الغلاء ومنعه من الاستشراء في كل الأسواق، ومن ناحيته فإن مجلس الشورى شكل لجنة لدراسة ارتفاعات الأسعار, التي ألحقت أضراراً بالغة بالمواطن السعودي.
واليوم يعود خادم الحرمين الشريفين مرة أخرى إلى الموضوع ذاته ويصدر توجيهاته بحماية المستوى المعيشي للمواطنين ورفع كفاءة ما تنفذه الدولة من مشاريع وخدمات يستفيد منها المواطن في معاشه وحياته.
ومعنى ذلك أن جميع الجهات في حكومتنا الرشيدة تبحث عن حل لمشكلة ارتفاعات الأسعار، ومن باب التفاؤل يتحادث المواطنون السعوديون في أحاديثهم العامة عن زيادات في الرواتب والأجور بنسبة تصل إلى نحو 40 في المائة، ونحن نقول: تفاءلوا بالخير تجدوه، ولكن ما نتمناه من حكومتنا ليس فقط زيادة الرواتب والأجور، بل نرجو أيضًا وضع علاوة دائمة لعلاج مشكلة الغلاء، بحيث تزيد العلاوة مع الزيادة في معدلات التضخم وتنقص مع انخفاض معدلات التضخم.
إن أسباب ارتفاعات الأسعار ـ من الناحية العلمية - معروفة، فهي إما بسبب ارتفاعات أسعار البترول وهو أهم الأسباب حاليًّا، إما بسبب زيادة ملحوظة في الطلب، أو بسبب قلة مقصودة في العرض، أو بسبب ربط الريال بالدولار الذي انخفض مرات ومرات أمام العملات الأجنبية وبالذات أمام الين الياباني واليورو الأوروبي، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات الواردة من اليابان ودول الاتحاد الأوروبي.
إن بعض التقديرات التي تصدرها منظمات بترولية متخصصة تقول إن الزيادة في أسعار البترول سوف تبلغ 120 دولارًا للبرميل في عام 2008م بينما تقول تقديرات أخرى إن أسعار البترول سوف تنخفض في عام 2008م إلى 80 دولارا للبرميل.
والمفترض أن تكون اللجنة التي شكلها مجلس الشورى, التي أشرنا إليها قد كتبت تقريرها، ويفترض أن يكون المجلس قد اتخذ التصويتات اللازمة ورفع التقرير النهائي إلى المقام السامي، وأنه أحيل إلى وزارة المالية ووزارة الاقتصاد والتخطيط وكل الجهات المختصة لاتخاذ التدابير اللازمة, الهادفة إلى تخفيف أعباء المعيشة ومحاربة غول الغلاء، كذلك يفترض أن تكون توجيهات سمو ولي العهد قد نالت اهتمامًا كبيرًا من الجهات ذات الاختصاص، كما يفترض أن تكون قرارات مؤتمر أمراء المناطق قد تقدمت خطوات واسعة نحو التنفيذ.
هذا ما نتوقعه بالافتراض ولكن في الواقع فإن الأسعار المجنونة تركض بقوة وتسبق تنفيذ توصيات اللجنة ومازالت الأسعار تتسلل إلى السوق السعودي ومازال المواطن يصيح ويطالب حكومته بأن تنقذه من الغول الذي يكشر عن أنيابه في كل السلع والخدمات.
إن ارتفاعات الأسعار سوف تضرب السوق السعودي مرة أخرى وثانية وثالثة في عام 2008م، بل سوف نشهد في هذا العام سلسلة من موجات ارتفاعات الأسعار التي لن تقف إلا إذا وقفت أسعار البترول عن الزيادة، وفي تقديرنا فإن زيادة أسعار البترول لن تقف فسوف تزيد وربما تصل خلال عام 2008 إلى مائة وعشرين دولارًا للبرميل الواحد وربما أكثر بل إن بعض التقديرات لا تستبعد أن يصل سعر برميل البترول إلى 200 دولار.
والسبب واضح وجلي، وهو أن زيادة الطلب على البترول سوف تزيد بسبب ارتفاع معدلات نمو الناتج القومي في الهند والصين ودول النمور وكذلك زيادة طلب الولايات المتحدة من البترول، كما أن أسعار السلع الغذائية التي تدخل في صناعة الكثير من السلع سوف ترتفع في عام 2008 ارتفاعًا خياليًّا بسبب استخدام جزء كبير منها في التجارب الجارية ـ على قدم وساق - للبحث عن مصادر بديلة للطاقة، وسوف تنعكس هذه الارتفاعات على السوق السعودي كغيره من الأسواق العالمية، وسوف يدفع المواطن السعودي الثمن غاليًا إذا لم نسرع إلى نجدته من غول الغلاء.
إن الشعب السعودي المخلص والمحب لحكومته ووطنه يستحق أن توفر له الحياة الكريمة والرخية، ولذلك وجه خادم الحرمين الشريفين بضرورة رعاية حقوق المواطن المعيشية والحياتية.
