Author

التأمين على مخاطر التجارة الإلكترونية (1)

|
لقد تزايد حجم التجارة الإلكترونية في السنوات القليلة الماضية بشكل ملحوظ، حيث تشير تقارير منظمة التجارة العالمية إلى أن حجم التجارة الإلكترونية بلغ نحو 300 مليون دولار أمريكي في عام 2001، كما تُشير أحدث التقديرات إلى أن حجم التجارة الإلكترونية العالمية في السلع الاستهلاكية وحدها بلغ نحو150 مليار دولار في عام 2002، ومن المتوقع أن يقفز إلى500 مليار دولار حتى عام 2009. فقد خلقت شبكة الإنترنت سوقاً عالمية لتجارة السلع والخدمات لم يسبق له مثيل من قبل، الأمر الذي يُبشر بتدفق سيل من المنتجات والخدمات عبر الحدود الدولية. وقدر تقرير صادر عن اتحاد المصارف العربية المستوى الإجمالي للتجارة الإلكترونية أو المعاملات التجارية التي أُجريت عبر شبكة الإنترنت والشبكات التجارية الخاصة بنحو تسعة مليارات دولار أمريكي في عام 1997، ثم وصل إلى 400 مليار دولار أمريكي في عام 2002، ومن المتوقع أن يصل إلى 500 مليار دولار في عام 2009. وهذا يرجع إلى أن الشركات التجارية والمستهلكين في جميع أنحاء العالم عندما يقومون بتوسيع نطاق أنشطتهم التجارية عبر الإنترنت، يدفعهم إلى ذلك الفوائد والميزات التي تُحققها التجارة الإلكترونية، وأهمها تخفيض تكاليف الصفقات العالمية، وتخطي العقبات والحواجز الجغرافية التقليدية، وسهولة إبرام الصفقات من خلال الدخول في علاقات تعاقدية بين المشتري والبائع دون وساطة أفراد أو شركات، ما يُقلّل النفقات، ويسهل إجراء العملية التجارية؛ كما أن استناد التجارة الإلكترونية إلى شبكات المعلومات وتدفقها بشكل مستمر يُعزز الشفافية في الأسواق، وهذا من شأنه أن يُحيط طرفي العملية التجارية (البائع والمشتري) على الفور تقريباً بالأسعار والنوعية وشروط التسليم التي يعرضها المنافسون، وأخيراً يتميز التعامل في حقل التجارة الإلكترونية بسهولة التعامل مع البيانات المتوافرة على شبكة الإنترنت. وعلى الرغم من هذا الاتساع والتطور في التجارة الإلكترونية إلا أن هناك نقصاً واضحاً في القوانين المنظمة لها، خصوصا فيما يتعلق بمسألة الاعتراف بالتوقيع الإلكتروني وغيرها من المسائل ذات الصلة بحجية الوثيقة الإلكترونية في الإثبات، والقواعد التي تكفل حماية المستهلك الذي يتعامل عبر شبكة الإنترنت من الغش التجاري. ذلك أن بعض المنظمات الدولية مثل لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي UNCID قد اهتمت بهذا الموضوع منذ عام 1982؛ ولكنها لم تتوصل إلا إلى وضع ما يُعرف بالقانون النموذجيLoi-type حول التجارة الإلكترونية في 12 حزيران (يونيو) 1996، والذي يُعد خطوة مهمة نحو وضع إطار تشريعي لها. كما بذلت جهود وطنية من جانب بعض الدول لإصدار قوانين تنظم التوقيع الإلكتروني؛ ومع ذلك فإن الغالبية العظمى من الدول ما زالت تعاني نقصا واضحا في هذا المجال؛ فضلاً عن أنه لا توجد قواعد قانونية دولية أو إقليمية أو وطنية تنظم عملية تحويل الأموال إلكترونياً؛ ما يترتب عليه وجود إشكاليات كبيرة عند قيام شركات التأمين الدولية بالتأمين على الأصول ذات القيمة المالية التي يتم الاتجار فيها إلكترونياً، وهذا من شأنه أن يُهدد حق شركات التأمين في الرجوع على المتسبب طبقاً للمبدأ القانوني المعروف والمعمول به في مجال التأمين وهو مبدأ الحلول في الحقوق. والحقيقة أن التجارة الإلكترونية مثل التجارة التقليدية تتعرض لمخاطر متعددة، ما يدفع المتعاملين في هذا النوع الجديد من التجارة إلى السعي لدى شركات التأمين الدولية للتأمين على المخاطر التي تواجههم. ومن أهم تلك المخاطر خطر عدم الوفاء بالحقوق أو ما يُعرف بخطر عدم دفع مقابل الشراء بواسطة كارت ائتمان لا يخص طالب الشراء في حال سرقته من مالكه أو في حال قيام أحد العاملين على برامج إدارة شبكة الإنترنت أو مشترك آخر بالحصول على رقم كارت ائتمان لشخص آخر واستغلاله في شراء بضائع لحسابه خصماً من حساب صاحب الكارت الحقيقي؛ حيث يُصبح هذا الأخير هو المسؤول قانوناً عن هذه العملية ولا يسئل البنك عن سرقة الكارت أو عن سوء استخدامه. وتشير الإحصاءات الصادرة عن الاتحاد الوطني في الولايات المتحدة الأمريكية لحماية المستهلك National Consumer League إلى أن نحو ستة ملايين مستهلك أمريكي تعرضوا لعملية نصب نتيجة الاتجار على شبكة الإنترنت ودفع مقابل الشراء باستخدام كروت ائتمانية. كما أن هناك نوعاً آخر من المخاطر التي تواجه شركات التأمين في مجال التجارة الإلكترونية يتمثل في تلك المخاطر التي تتعلق بعدم توافر نظم الحماية الكافية التي تمنع وبنسبة 100 في المائة من تسرب أية معلومات تخص المشتركين لجهات أخرى خصوصا إذا تم تحميل برامج الشركات، وما تحتوي عليه من ملفات عن بيانات العملاء بواسطة برامج ربط على شبكة الإنترنت. إذ إنه من المعلوم أن من أهم السلبيات للشبكة العنكبوتية في مجال التجارة الإلكترونية عدم توافر الضمان الكافي للبيانات وسريتها وخصوصيتها؛ فخطورة تسرب المعلومات أو التعدي على برامج المشاركين ما زال أمراً معترفاً به من قبل جميع شركات الحاسوب المتخصصة. ولهذا طالبت إحدى شركات الكمبيوتر في أحد المؤتمرات الدولية بضرورة تدخل شركات التأمين وبشكل عاجل لتوفير حماية تأمينية ضد خطر تسرب معلومات سرية على شبكة الإنترنت لأشخاص غير مصرح لهم بذلك. وهناك خطر من نوع ثالث يتمثل في خطر احتمال البيانات التي تم تخزينها عن طريق خطأ غير مقصود من المستخدم أو خطأ من الجهاز نفسه أو خطر وجود فيروس. ونتساءل بعد أن اتسع نطاق التأمين في الآونة الأخيرة في السعودية: هل يُمكن لشركات التأمين العاملة في البلاد أن تؤمن على التجارة الإلكترونية؟ هذا ما نتناوله في مقال لاحق، إن شاء الله.
إنشرها