Author

خياران لتفعيل السوق الخليجية المشتركة

|
دتناولت في مقال سابق موضوع السوق الخليجية المشتركة، واستكمالاً لهذا الموضوع أتناول مسألة الاتفاقيات الثنائية التجارية التي سبق أن عقدتها بعض دول المجلس مع الولايات المتحدة لإقامة منطقة تجارة حرة، وهي مخالفة صريحة لنظام الاتحاد الجمركي الخليجي؛ ذلك أن العولمة وما تتضمنه من حرية انتقال البضائع والأشخاص عبر الحدود الدولية، أي حرية التجارة بمفهومها الشامل تفرض على دول مجلس التعاون، مثل غيرها من دول العالم، أن تقيم علاقات تجارية مع الدول الأخرى، سواء من خلال توقيع اتفاقات ثنائية أو اتفاقيات جماعية؛ إلا أن اتفاق هذه الدول على إقامة تكتل اقتصادي إقليمي يفرض على كل منها عدم إبرام اتفاقيات ثنائية تؤثر في الوحدة الاقتصادية بينها أو يجب عليها على الأقل أن تعمل ما في وسعها لتدعيمها مستقلاً. لذا فإن فاعلية السوق الخليجية المشتركة تقتضي من كل من هذه الدول الأعضاء ألا تسعى إلى توقيع اتفاقيات ثنائية مع دول أخرى من خارج الاتحاد الخليجي؛ بل تسعى إلى إبرام اتفاقيات جماعية باسم مجموعة الدول مع الاتحادات الأخرى أو الدول الأخرى بما يساعد على تحقيق أهداف الاتفاقية الاقتصادية الموحدة التي تمت الموافقة عليها في تشرين الثاني (نوفمبر)1981م. وفي إطار هذا التوجه نحو تدعيم وتفضيل الوحدة الاقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجي، تسعى هذه الدول مجتمعة إلى إبرام اتفاقية للتجارة الحرة بينها وبين المجموعة الاقتصادية الأوروبية، مما يُمكن أن يشكل نوعاً من التكتل الاقتصادي بين كتلتين اقتصاديتين لهما وزن ودور اقتصادي ملحوظ في العلاقات الاقتصادية الدولية. ومن المتوقع أن يكون لهذه الاتفاقية تأثير إيجابي في نمو التجارة بينها. فمن المتوقع أن تزداد حصة المنتجات المصنعة والمعالجة من صادرات دول مجلس التعاون الخليجي إلى دول المجموعة الأوروبية أكثر من أي وقت مضى، وبنسبة زيادة قد تصل إلى 20 في المائة، وفي مقابل ذلك من المُحتمل أن تشتري دول مجلس التعاون من دول المجموعة الأوروبية كميات أكثر من السلع والمنتجات الأوروبية. فهذه الاتفاقية ستسهم مساهمة فعّالة في عملية تنشيط التبادل التجاري بين المجموعتين، لأن دول أوروبا ستستمر في اعتمادها المتزايد على النفط والغاز الطبيعي من دول المجلس نتيجة للنهضة الصناعية والتقنية التي تشهدها، رغم المحاولات التي تقوم بها هذه الدول والتي ترمي من ورائها إلى تخفيض استهلاكها المحلي وتنويع مصادر إمداداتها، فأهمية دول مجلس التعاون في إمداد دول أوروبا بالطاقة باتت أمراً ضرورياً وأساسياً لهذه الدول، ولذا فإن الاستقرار الأمني في منطقة الخليج يعد مسألة بالغة الأهمية بالنسبة لدول أوروبا وأمريكا واليابان، ومن ثم فإن العلاقات بين المجموعتين تعتمد بشكل أساسي على مستوى سعر النفط، كما يحكمها عدة عوامل، أهمها: ـ أن التجارة الخارجية بين مجموعة الدول الأوروبية ودول مجلس التعاون الخليجي لن ترتفع كثيرا بأسرع من أسعار النفط، أي ما يعادل 5 في المائة سنوياُ تقريباُ. ـ ستتنوع صادرات دول مجلس التعاون الخليجي، ولكنها ستتمركز حول النفط ومنتجاته بشكل أساسي. ـ من المتوقع ألا ترتفع حصة دول مجلس التعاون في التجارة الإجمالية لدول المجموعة الأوروبية بشكل كبير. ـ يتوقع حدوث طفرة كبرى في تدفق رؤوس الأموال الأوروبية إلى دول مجلس التعاون، أو تدفق رؤوس الأموال الخليجية إلى دول مجلس أوروبا. إذ إن منطقة الخليج تشكل بالنسبة لقطاع الأعمال الأوروبي مرتبة مهمته في سلم أولويات الاستثمار مثل الولايات المتحدة واليابان ومنطقة الباسيفيك، وخاصة بعد الزيارة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين لأوروبا منذ فترة وجيزة، والعلاقات الدبلوماسية المتوازنة التي تقيمها السعودية مع دول أوروبا. ولهذا يُلاحظ في الآونة الأخيرة اتجاه دول مجلس التعاون نحو دعوة الشركات الأوروبية للاستثمار في قطاع النفط وأعمال التكرير، وإبرام اتفاقيات ثنائية للتشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات الأجنبية مع العديد من دول مجلس أوروبا، ومن المتوقع أن يتم تنفيذ مشاريع مشتركة في بعض الصناعات الأساسية (كالألمنيوم والبتروكيماويات). ـ أن دول الخليج لديها فرص استثمارية واعدة، ولكنها تتطلب اتخاذ إجراءات مرنة، إذ يجب الخروج من فكر مرتبط بالسوق المحلية إلى رحاب العالمية، وليس أمامها من خيار سوى التفكير في جعل هذه المنطقة قادرة على تقويم خدمات للسوقين المحلية والعالمية في الوقت نفسه. وعلى ذلك فإن مستقبل السوق الخليجية المشتركة يتطلب من دول المجلس أن تتبع أحد خيارين: الخيار الأول: أن تمتنع عن توقيع اتفاقات ثنائية لإقامة منطقة تجارة حرة بين إحدى هذه الدول وأي دولة لأخرى, لأن هذا من شأنه أن يؤثر سلباً في الوحدة الاقتصادية ويجعل التجارة الدولية التي تقوم بها هذه الدولة مع الدولة الأجنبية في وضع أكثر تميزاً من تجارتها مع دول المجلس الخمس الأخرى، مما يتعارض مع أهداف وطبيعة الوحدة الاقتصادية التي تفترض أن تتمتع المنتجات والبضائع الواردة من أي من دول المجلس والمصدرة فيها إلى أي دولة من الدول الخمس الأخرى بميزات وتسهيلات أكثر من غيرها من الدول. أما الخيار الثاني فيتمثل في تدعيم العمل الخليجي الجماعي أو المشترك على المستوى الخارجي, وذلك بإبرام اتفاقيات جماعية باسم المجلس مع دول أخرى أو مع تكتلات اقتصادية إقليمية أخرى مثل الاتحاد الأوروبي.
إنشرها