لا أحاول تفسير الآية (إنَّ خَيرَ مَنِ اسّتجَرتَ القَوِيُّ الأَمِينُ) لكون هذا من اختصاص علمائنا الأفاضل جزاهم الله خيراً، ولكن من منظور عام، القوي هو من اختط لنفسه مهنة احترافية محددة، وأصَّل نفسه علمياً ومهنياً واكتسب الخبرة الملائمة؛ والأمين من تمسك بآداب وأخلاق مهنته سواءً أكانت مشرعة على وجه العموم كتعاليم الدين السمحة أي أن يكون "مهنياً حريصاً Prudent Man أو على وجه الخصوص ما تحدده قواعد وسلوك وآداب مهنته. فإذا اجتمعت هاتان الخصلتان "القوة والأمانة" نتج عنها منفعة خاصة للمحترف ومنفعة عامة للوطن.
اكتب هذه المقدمة، لما ألاحظه من تسابق أرباب العمل ومتخذي القرار على المحترفين السعوديين، والحمد لله، في القطاعات الاقتصادية كافة، وتبلغ أحياناً رواتبهم أضعاف بعض الأجانب؛ حتى أنني أعرف أن الشاب السعودي المحترف يحظى بالأولوية في التوظيف ليس لكونه سعودياً بل لكونه محترفاً؛ وقد أبالغ إذا قلت إن بعضهم ينافس بعض الكفاءات في الدول المتقدمة كأوروبا وأمريكا.
من هذا المنطلق وكسياسة عامة يلزم بذل قصارى الجهد لتأهيل الشباب وتعزيز دورهم ومراقبة سلوكهم المهني. فعلى سبيل المثال لا الحصر احتفلت هيئة المحاسبين القانونيين منذ أسبوعين بمرور 13 عاماً على اختبار زمالتها والتي اجتازها أكثر من 270 محاسباً ومحاسبة، مثل هذه البرامج تزيد من جانب القوة والتنافس لدى شبابنا. كذلك ما تفعله بعض الجهات كالبنوك وهيئة سوق المال والتأمينات الاجتماعية ومؤسسة النقد وغيرها في ابتعاث الشباب وتدريبهم للحصول على شهادات مهنية "لا علمية نظرية"، أنتجت على المدى القصير شبابا عندما تحتك بهم تلحظ الاحتراف بمعنى الكلمة.
لكي نبني وطناً عظيماً يجب أن نركز على بناء قوة الإنسان وأمانته، وهذا ما أزعم أنه الخطة الاستراتيجية للدولة. والله أعلم.
