الاقتصادية - الموقع الرسمي لأخبار الاقتصاد والأسواق | الاقتصادية

الجمعة, 14 نوفمبر 2025 | 23 جُمَادَى الْأُولَى 1447
Logo
شركة الاتحاد التعاوني للتأمين9.58
(-0.21%) -0.02
مجموعة تداول السعودية القابضة190.3
(-0.78%) -1.50
الشركة التعاونية للتأمين132
(-0.38%) -0.50
شركة الخدمات التجارية العربية107.1
(2.98%) 3.10
شركة دراية المالية5.64
(-0.18%) -0.01
شركة اليمامة للحديد والصلب37.74
(1.02%) 0.38
البنك العربي الوطني22.41
(-1.28%) -0.29
شركة موبي الصناعية11.3
(-4.24%) -0.50
شركة البنى التحتية المستدامة القابضة33.3
(-0.12%) -0.04
شركة إتحاد مصانع الأسلاك22.8
(-2.15%) -0.50
بنك البلاد28.08
(-1.13%) -0.32
شركة أملاك العالمية للتمويل12.65
(-1.09%) -0.14
شركة المنجم للأغذية55
(-1.96%) -1.10
صندوق البلاد للأسهم الصينية12.62
(1.28%) 0.16
الشركة السعودية للصناعات الأساسية56.9
(-1.56%) -0.90
شركة سابك للمغذيات الزراعية119.6
(-0.50%) -0.60
شركة الحمادي القابضة30.42
(-1.30%) -0.40
شركة الوطنية للتأمين14.1
(-1.33%) -0.19
أرامكو السعودية25.86
(-0.39%) -0.10
شركة الأميانت العربية السعودية18.66
(-2.30%) -0.44
البنك الأهلي السعودي38.3
(-1.44%) -0.56
شركة ينبع الوطنية للبتروكيماويات31.66
(-0.57%) -0.18

[email protected]

أعلم جيدا أن الحديث عن رسوم حكومية وفي هذا الوقت بالتحديد يثير حفيظة الكثيرين، خاصة أصحاب الدخول المتوسطة والمتدنية، الذين يواجهون شبح التضخم الذي أتى على دخولهم ينهشها ويقلص قوتها الشرائية ويصعب أمورهم المعيشية. وفي ظل اقتصاد ريعي يعيش أفضل حالاته، تصل فيه الإيرادات العامة أعلى مستوياتها على الإطلاق، تكون التوقعات والتطلعات نحو خفض الرسوم ورفع الرواتب والأجور، وليس العكس! هذا في واقع الأمر مطلب مشروع وملح للتقليل من تبعات الارتفاع العام للأسعار (التضخم) ، ولذا لم يكن مستغربا أن تتعالى الأصوات مطالبة بزيادة الرواتب والتركيز عليها كعلاج سريع لهذا الوضع المتأزم ومساعدة فئات الدخول المتدنية في مواجهة التضخم الذي يضيق عليهم الخناق يوما بعد يوم. لكن هذا لا يعني أن زيادة الرواتب وحدها كفيلة بمواجهة مشكلة التضخم فذلك افتراض قاصر ومهدئ للأزمة أكثر منه علاج ناجع، فالأمر يتطلب انتهاج نظرة شمولية عميقة طويلة المدى تعالج جذور المشكلة ولا تتعامل مع ظاهرها فقط. إن مشكلة التضخم يستفيد منها البعض ويتضرر منها الكثيرون، ولذا فإن أول من يسعد بزيادة الرواتب بل وحتى القروض والمعونات التي تصرفها الدولة لعموم المواطنين هم التجار، إذ إن الريالات من الدخول الإضافية يذهب جلها إلى خزائنهم من خلال سير التعاملات في السوق، فالريال يدور وينتقل من يد إلى أخرى إلى أن يصل في نهاية المطاف إلى التجار ويحط رحاله عندهم، فالنقود تجتذب النقود لتكون دُولة بين الأغنياء دون الفقراء. وهنا بيت القصيد ومفتاح الحل وهو كيف نجعل الريالات دولة بين الجميع وأن ينعم الكل بنتاج الاقتصاد الوطني؟ إن زيادة الرواتب وحسب لا تعدو معالجات آنية سطحية تدخلنا في دوامة لا نكاد ننتهي من تخطي الأزمة إلا ونعاود الدخول فيها مرة أخرى، فزيادة الرواتب تؤدي إلى رفع الأسعار، ورفع الأسعار يؤدي إلى المطالبة بزيادة الرواتب وهكذا دواليك! ولا أدل على ذلك من أن زيادة مرتبات موظفي القطاع العام بنسبة 15 في المائة تلاشت في شهور قليلة مع ارتفاع معدل التضخم الذي فاقها بكثير لدرجة أدت إلى انتكاسة وتناقص للدخول الحقيقية عما كانت عليه قبل الزيادة! ولذا كان من المفترض البحث عن حلول جذرية ودائمة بوضع حزمة من السياسات المالية التي تؤدي إلى احتواء الأزمة في الوقت الحاضر وتمنع وقوعها أو تقلل من تأثيراتها في المستقبل. هذه السياسات ترتكز على إعادة توزيع الدخل، بحيث يصار إلى صياغة سياسات مالية عامة تجعل الأكثر حظا في المجتمع من أصحاب الدخول العالية يدفعون رسوما أعلى نظير استفادتهم الكبيرة من الخدمات العامة ويكون بمقدار الفرق بين مستوى استفادتهم واستفادة المستويات الأدنى اقتصاديا، لأنه "ليس من العدل المساواة"! فمساواة الفقير بالغني من حيث إنهم متساوون في المواطنة أمام القانون دون النظر إلى التفاوت في مقدار الاستفادة من الخدمات العامة والإنفاق الحكومي أمر مجحف. فالأغنياء يحصلون على خدمات عامة مجانية مثلهم مثل الفقراء، إلا أن لها مردودا اقتصاديا كبيرا يسهم في زيادة عوائدهم الاستثمارية وتسويق منتجاتهم، بينما معدل استفادة الفقراء يكون في أدنى مستوى لا يتعدى الاستهلاك اليومي لسد احتياجاتهم المعيشية. على سبيل المثال الشوارع والطرق والمياه والصرف الصحي والمطارات وغيرها من البنى التحتية والفوقية يمثل توفيرها أساسا للاستثمار والنشاطات الاقتصادية وغيابها يمثل عقبة كؤود للتجارة والصناعة، ولو لم تقم الدولة بتوفيرها لهب رجال الأعمال هبة رجل واحد في توفيرها من مالهم الخاص. هذا ما يلاحظ بالفعل في مخططات الأراضي الخاصة ، وكذلك في المجمعات السكنية والتجارية والصناعية من توفير لجميع الخدمات.

إن تنظيم الاقتصاد في وضعه الحالي يخدم النخب الاقتصادية على حساب الأقل حظا في المجتمع. ولذا كان لا بد من إيجاد صيغ جديدة تضمن إعادة توزيع الدخل من خلال سياسات المالية العامة بفرض رسوم محلية أو زيادتها على القادرين. إذ لا تقتصر أدوات توزيع الدخل على المعونات المباشرة النقدية، ولكن أيضا عبر تقديم الخدمات والمنافع العامة للأقل دخلا دون رسوم أو برسوم مخفضة فهي بذلك نوع من أنواع الدخل. فالدخل بمعناه العام كل ما يجلب نفعا ويدخل الرضا والسرور على النفس، وليس بالضرورة حصره على حيازة النقود فهي مجرد وسيلة لتحقيق الرضا. هناك من يبرر للوضع القائم بمقولة إن نظام السوق يكفل حرية الاستثمار والاستهلاك وإن آلية السوق عبر قوى الطلب والعرض ستؤدي إلى التوازن المطلوب وهي كفيلة بتوزيع الدخل توزيعا عادلا على أساس ما يملكه الفرد من موارد سواء مالية و/ أو مهارية، مستوى اجتهاده وإنتاجيته، وأخيرا سعر المنتج الذي يقوم بإنتاجه في السوق. قد تبدو آلية السوق في ظاهرها موضوعية، إلا أن التفاوت في القدرات والفرص يجعل من الصعب الحصول على تنافس متكافئ والذي هو جوهر اقتصاد السوق، وهكذا تفشل آلية السوق في توزيع الدخل بكفاءة وتحقيق العدالة الاجتماعية. الأمر الآخر يتعلق بطبيعة الاقتصاد السعودي الذي يعتمد بنسبة كبيرة على الإنفاق الحكومي دون أن يكون هناك ضرائب ما يجعل التجار يستفيدون من الخدمات دون تحمل تكاليفها، كما ذُُكر آنفا، والسبيل إلى إعادة توزيع الدخل هو عبر الرسوم المحلية التي يمكن تحصيلها من المعاملات التجارية الاستثمارية والاستهلاكية الترفيهية (المطاعم والملاهي.. وغيرها ممن يمكن تصنيفها بغير الضرورية)، على سبيل المثال، تمكين الأمانات والبلديات من خلال مجالسها البلدية من تحصيل نسب على معاملات بيع العقارات بدلا من ترك العقاريين وحدهم يحصلون على نسبة 2.5 في المائة دون تكلفة تذكر، بحيث يتم تقاسم هذه النسبة مع البلديات، فالخدمات البلدية تسهم في رفع قيمة العقار، فلولا الخدمات العامة من شوارع وإنارة ومياه وصرف صحي ما بلغ العقار قيمته العالية وبالتالي كان لا بد أن تحصل البلديات على نصيبها. بل إن هناك رسوما تطبقها غالب الدول تسمى رسوم أو ضريبة الممتلكات أو العقار(Property Tax) تحصل من قبل الإدارات المحلية سنويا على جميع العقارات داخل المدينة. كما يمكن فرض رسوم على المناشط الاقتصادية داخل المدينة تسهم في التمويل المحلي وإعادة توزيع الدخل. على سبيل المثال فرض رسوم على المطاعم يوفر مراقبين صحيين بالعدد الكافي ويضمن على المدى الطويل الموازنة بين معدل زيادة عدد المطاعم في المدينة ومعدل زيادة المراقبين، والأهم جعل المستفيدين من الخدمة يتحملون وحدهم تكلفتها. إلا أن مثل هذا الإجراء يتطلب منح المجالس البلدية الاستقلال المالي والإداري وإطلاق يدها في التصرف بالإيرادات المالية بدلا من مطالبتها بترحيلها لوزارة المالية، حتى لا نقضي على أهم عامل في إدارة المدن وهو الربط بين الإيرادات والإنفاق وصنع قرارات كفؤة وفاعلة تستجيب لمتطلبات المجتمع المحلي وتعالج قضاياه. أما على الصعيد الوطني فقد بات من الضروري ربط الإنفاق العام للدولة بخطط إستراتيجية وطنية طويلة المدى (للثلاثين سنة المقبلة) حتى لا يكون الإنفاق مبنيا على ردود أفعال آنية واستجابة للطوارئ مثل الاكتفاء بزيادة الرواتب في مواجهة التضخم دون أن يكون هناك رؤية مستقبلية للاقتصاد الوطني. فهذا مدعاة لعدم استثمار الفوائض المالية في بناء هيكل اقتصادي يقود نحو تحقيق أهداف استراتيجية وتنمية مستدامة، وفي الوقت ذاته العجز عن معالجة المشاكل التي يئن منها الاقتصاد الوطني والتصدي لها. فالإنفاق الحالي يفيد شريحة صغيرة من المجتمع ولا يؤدي إلى العدالة في توزيع الدخل. فعلى الرغم من الإنفاق السخي للدولة، إلا أنه وحتى الآن ليس هناك توجه نحو بناء هيكل اقتصادي قادر على توفير الفرص الوظيفية ذات الدخول المرتفعة، ليبقى الاقتصاد ضخما في شكله وعدد مصانعه ولكن متواضعا في أدائه خاصة في قطاعه الإنتاجي حيث المصانع في معظمها تجميعية وليست رأسمالية تحويلية. كل ذلك يعود إلى غياب الاستراتيجية الوطنية التي يفترض أن تكون خريطة الطريق للوصول بالاقتصاد الوطني إلى مستويات أعلى من النضج وبناء الخبرة في مجالات تحتل فيها السعودية مرتبة متقدمة مثل قطاعات النفط وتحلية المياه والدراسات الإسلامية.

هكذا وفي ظل غياب الاستراتيجية يتحقق لرجال الأعمال والنخب الاقتصادية مرادهم في جني ثمار الإنفاق الحكومي السخي والاستفادة العظمى من الاقتصاد الوطني دون تحمل أي تكلفة أو مسئولية اجتماعية. من هنا كان مسوغا أن تفرض رسوم على الأكثر دخلا والأكثر استفادة من الاقتصاد الوطني، في المقابل ومن أجل التخفيف من تأثيرات التضخم في الفئات الاقتصادية الأقل حظا يقترح منحهم خصومات على الرسوم العامة بنسب متفاوتة حسب معدل الاستهلاك، بدلا من الاعتماد فقط على زيادة الرواتب الذي بينا أن له تأثيرا آنيا لا يدوم طويلا، هكذا يكون نظام المالية العامة أكثر عدالة وحيادية وكفاءة وفاعلية.

للإشتراك في النشرة
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من الاقتصادية
الرسوم المحلية.. آلية لإعادة توزيع الدخل ومواجهة التضخم