دولة المواقف
كنا في القاعة في فندق الشيراتون في الدوحة، والمناسبة قمة مجلس التعاون الثامنة والعشرون. المدعوون من أعضاء الوفود، والسفراء، وكبار الشخصيات، كل أخذ مقعده المحدد سلفا، والجميع ينتظر وصول القادة.
يدخل الآن الزعماء.. في هذه اللحظة تشعر بالفخر والاعتزاز عندما ترى كيف أن الملك عبد الله بن عبد العزيز هو الزعيم الذي أضفى حضوره الهيبة والأهمية والاحترام، وتلمس هذا في التقدير الكبير الذي يبديه أصحاب الجلالة والسمو القادة، وفي عيون الحضور التي تتبع وتلاحق الملك عبد الله.
وقبل القاعة، ومنذ الوصول إلى المطار كان الإخوة في قطر لا يخفون فرحهم بحضور خادم الحرمين الشريفين، وشعور الإخوة هذا صادق ومباشر من القلب، وسمو أمير قطر في الكلمة الافتتاحية عبر عن امتنانه الشخصي وامتنان الشعب القطري لحضور ومشاركة الملك عبد الله في هذه القمة، وكانت لفتة نبيلة وغير مستغربة من سمو الأمير، والمملكة تبقى (الأخ الأكبر)، الذي يحترم ويفرح للأشقاء الذين يكبرون وتكبر معهم إمكاناتهم وأدوارهم، وشعور الأخ الأكبر سيبقى في (إطاره الإيجابي) لأنه شعور ينبع من القلب، ولن يزول، وهو الشعور الذي، حسب طبيعة الأشياء، يتحول من العطف إلى الإعجاب، ومنذ أن كبر الأشقاء، والقيادة في المملكة تؤكد دائما (حتى تقطع الطريق على من يصطادون في الماء العكر عندما تكون هناك خلافات في المواقف)، إن الصغير لا بد أن يكبر، وبالتالي من حقه أن يمارس سيادته ويجد ذاته، وفي هذا قوة للمملكة وللمنطقة، والأخ القوي خير من الأخ الضعيف.
ولأن المملكة (دولة موقف)، دولة ترى أن كل الأشقاء والجيران في المنطقة عليهم واجب أن يكونوا كبارا في كل شيء، كبارا في مواقفهم المشرفة، كبارا في اقتصادهم، كبارا في رجالاتهم، وكبارا في التطلع للمستقبل، ومن هنا يأتي اهتمام المملكة الدائم بـ (إيران)، والملك عبد الله ومنذ سنوات يبدي كل مواقف الود والاحترام للزعامة الإيرانية، والملك عبد الله عندما يبادر ويأخذ بيد الزعماء والقيادات الإيرانية في المناسبات العامة.. هنا مشاعره الصادقة تجاه إيران هي التي تقوده، وهي تلقائية عفوية، ومن حسن حظنا أن العالم يعرف أن الملك عبد الله زعيم لا يعرف كيف يواري مشاعره إن فرحا أو غضبا، عندما يكون الموقف يمس دينه أو عروبته أو كرامة بلده، والعالم شاهد ذلك (حيا على الهواء) في أكثر من مناسبة.
وهذا طبيعي لأن المملكة (دولة موقف) وهي تمارس هذا عندما تكون الأوضاع تستدعي (الموقف)، وحدث ذلك في ظل التنامي الإيجابي للعلاقة مع إيران، فعندما أصبح التدخل الإيراني في العراق يتجاوز الخطوط الحمراء للأمن القومي العربي، كان الأمير سعود الفيصل هو الذي خرج عن دائرة الصمت وعبر بكل صدق ووضوح عن خطورة هذا التدخل، ولم يقل ذلك عبر تسريبات صحافية، بل قال ذلك في (نيويورك) موجها اللوم إلى أمريكا وإيران معا، أليس هذا هو موقف (دولة المواقف)؟
وقبل هذا ثمة الموقف الكبير الذي اتخذه الملك فهد ـ رحمه الله - إبان احتلال الكويت، وكان حينئذ موقفا يكرس مبدأ (دولة المواقف)، والملك الراحل أضاف هذا الموقف للتاريخ.
وقبله الملك فيصل ـ رحمه الله ـ في قرار النفط الشهير الذي وضع المملكة في مواجهة صريحة ومكشوفة وخطيرة مع القوى العظمى، وقبل هذا كان الملك سعود ـ رحمه الله ـ الذي أرسل الجيش السعودي إلى الكويت ليقف في وجه العراق الذي كان يسعى لاحتلال الكويت.. وكل هذا امتداد لمواقف الملك المؤسس الذي وضع التقاليد السياسية لتكون المملكة (دولة المواقف).
تداعت هذه الصور عن (دولة المواقف) .. ونحن في القمة عندما سمعت أحد الحضور يقول: إن حضور الملك عبد الله للقمة كان (موقفا سياسيا) أضاف أهمية خاصة لهذه القمة بالذات، وما أكثر المكاسب التي يضيفها ويجددها الملك عبد الله في الداخل والخارج.