يبقى النفط هو الخيار الأكثر اقتصاديا والأقل ضررا لبيئتنا ولكن مشكلتنا معه هي أننا لا نحسن استخدامه ولا نجيد توظيفه لإنتاج ما نحتاج إليه من طاقة ننتفع بها.
لا يستطيع أحد أن يقلل من خطورة ما يواجهه العالم اليوم من مخاطر بيئية ولا يستطيع أحد ألا يضع التغيرات المناخية في مقدمة هذه المخاطر, فالأرض أكثر سخونة مما مضى وتزداد سخونة كل عام بسبب استهلاكنا المتزايد للطاقة, فنسبة تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو قد ازدادت بمقدار 20 في المائة منذ منتصف القرن الماضي. هذه الزيادة الكبيرة في تركيز هذا الغاز في الجو أدت إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض وقد يصل هذا الارتفاع إلى خمس درجات ونحن في بدايات القرن الجديد مما يعني أن العالم سيواجه مشكلات وكوارث طبيعية قد تعطل من قدرته على الحفاظ على ما تم إنجازه من تطور مادي واقتصادي. ويرى الكثير أن النفط هو المسؤول الأول عن تراكم غاز ثاني أكسيد الكربون في غلافنا الجوي وبالتالي فلا علاج لمشكلة الاحتباس الحراري ولا سيطرة على التغيرات المناخية الناتجة عنه إلا بتحويل اعتمادنا على النفط إلى مصادر بديلة وغير مضرة بالبيئة. ولم يكن هذا الأمر ببعيد عن أذهان قادة الدول المنتجة للنفط "أوبك" وهم يجتمعون في قمتهم الأخيرة في الرياض, فإعلان خادم الحرمين الشريفين بتخصيص 300 مليون دولار لإجراء بحوث ودراسات علمية في مجالات الطاقة والتغيرات المناخية ثم أعقب ذلك تخصيص بعض دول الخليج لما يقارب من 450 مليون دولار للغرض نفسه هو رسالة واضحة للعالم أن الدول المنتجة للنفط هي الأخرى تشارك العالم قلقه بخصوص التغيرات المناخية وأنها مستعدة للإسهام في إيجاد حلول شاملة لمثل هذه المشكلة. فإنتاج النفط ليس هو في حد ذاته المشكلة, فهو أولا ليس المصدر الكربوني الوحيد للطاقة في العالم, فهناك الفحم وهو أشد ضررا على البيئة الطبيعية إنتاجا واستخداما وهو يستخدم اليوم بكثرة وخصوصا في أمريكا وبريطانيا والصين والهند, وتشير بعض المصادر إلى أن الصين والهند لوحدهما يستهلكان ما نسبته 42 في المائة من مجموع الفحم المنتج سنويا وهذه الكمية تعادل أكثر من مليون طن من النفط. ولا ننسى أيضا أن ربع الطاقة الكهربائية في العالم تنتج من الفحم وهذه المعامل التي تشتغل بالفحم تنتج الملايين من الأطنان من غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يجد طريقه إلى غلافنا الجوي.
ثانيا, إن الاقتصاد العالمي قد بني في الأساس على استخدام النفط والمصادر الكربونية الأخرى في جميع قطاعاته الإنتاجية والخدمية ولا يمكن التحول عنها واستبدالها إلا عبر مراحل تدريجية ولكن هناك الكثير من الوسائل التي قد تعيننا على التخفيف من وطأة استخدام النفط على بيئتنا الطبيعية. ولعل الكفاءة في استخدام النفط هو الأفضل من بين الخيارات التي بين أيدينا. فمعدل كفاءتنا في إنتاج الطاقة المختزنة في النفط عالميا لا يتجاوز 38 في المائة وكل تحسن في هذه النسبة هو بالتأكيد لصالح العالم اقتصاديا وبيئيا. أما السيارات التي ربما هي المسؤولة عن 25 في المائة من غاز ثاني أكسيد الكربون الذي تنتجه الولايات المتحدة سنويا فإن معدل كفاءة استخدامها للطاقة لا يتجاوز 16 في المائة، وهنا تكمن فرصة عظيمة للترشيد من استهلاكنا للنفط وهو بدوره ستكون له نتائج إيجابية كبيرة في معالجة الاحتباس الحراري.
وفي إطار الاهتمام بإيجاد خيارات وبدائل أخرى لإنتاج الطاقة غير النفط, هناك بعض الخيارات تدعو إلى استخدام مصادر طاقة متجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها هي خيارات جادة وتستحق أن تحظى بالاهتمام العالمي, ولكن المشكلة أن هناك خيارات ما ليس بمقدور العالم على الأقل في الوقت الحاضر أن يلغي مخاطرها وتهديدها ليس فقط على بيئتنا الطبيعية بل بسبب أن تهديدها يمتد إلى وجود الإنسان نفسه والمخاطرة بحضارته على هذا الكوكب. فالدعوة إلى المزيد من التوسع في الاعتماد على الطاقة النووية كبديل للنفط, حيث إن هناك من يدعو لزيادة المفاعلات الذرية من 400 مفاعل وهو عددها الحالي إلى أكثر من ألف مفاعل, هي دعوات قاصرة لأن العالم إلى الآن لم يجد حلولا تقنية يمكن الوثوق بها للمخلفات النووية الشديدة الضرر والتي يستمر ضررها إلى آلاف السنيين, كما أن سلامة هذه المعامل النووية وعدم تحويلها إلى استخدامات عسكرية مدمرة هي أمور مقلقة للعالم وهذه كلها تعني أن العالم سيفكر كثيرا وكثيرا جدا قبل المغامرة في قبول هذه الدعوة والتوسع في إنتاج الطاقة النووية. يبقى النفط هو الخيار الأكثر اقتصاديا والأقل ضررا لبيئتنا ولكن مشكلتنا معه هي أننا لا نحسن استخدامه ولا نجيد توظيفه لإنتاج ما نحتاج إليه من طاقة ننتفع بها.
