على الرغم من تعدد مصادر التقنية الحديثة وسهولة تحقيق العديد من الأهداف الآنية من قبل البشر في كثير من المجتمعات المتطورة تكنولوجيا إلا أن ذلك التطور السريع كان سببا رئيسا في إيجاد أنواع هائلة من الضغوط النفسية وهذا ما يترجم معادلة التطور التكنولوجي وكيف أنها سلاح ذو حدين بدليل أننا لو تصفحنا في ذاكرتنا حياة إنسان الريف أو البادية لوجدنا أن أهدافه غاية في البساطة وهي أهداف يطلق عليها أهداف "قريبة المدى" لذا فإن تحقيقها سريع وبالتالي فإن تحقيقها يحدث لدى الفرد البسيط ما يسمى في علم النفس بالتغذية الرجعية Feed Back لذا فإن الإنسان البسيط أبعد ما يكون عن تلك الأزمات النفسية والتي بدأت تزداد وفق معادلة طردية مع أكثر الدول من حيث التقدم الصناعي. وكما أصبحنا نسمع دائما عن ارتفاع نسب الانتحار بناء على إحصاءات عالمية فقد أصبحنا نسمع في المقابل عن رواج الأدوية النفسية بكل أنواعها البسيطة وغير البسيطة بل والخطيرة أيضا، حيث بدأت تتلاشى لدى الكثير من الناس فكرة رهاب الأدوية النفسية وحلت محل تلك الفكرة فكرة جديدة مفادها تبرير الحاجة إلى استخدام تلك الأدوية تحت تأثير أي ظروف ضاغطة وإن كانت لدى البعض أبسط من أن تعالج دوائيا حتى أصبحت مناعة الأفراد تعاني ضعفا شديدا في تحمل الضغوط حتى وإن لم تكن بتلك الشدة لدى البعض والمهم هنا هو أن يكون لدينا شعور بخطورة ما يحدث من حولنا فيما يخص ذلك النوع من العلاجات ستكون لدينا قناعة كبيرة ودافعية عالية من أجل البحث عن السبب حتى نستطيع فعلا الاستبصار بوجوده والعمل على المساعدة في علاجه كأبسط تقدير. وأعتقد أن أكثر ما يطرق خطورة انتشار الأدوية النفسية هو السوء في تعاطي بعض العيادات النفسية مع مشكلات المرضى، حيث نلاحظ من حولنا أن الشخص البسيط قد لا يميز بين الإخصائي النفسي وبين الطبيب النفسي وأين يتوجه ولمن يحتاج في علاج مشكلته بل إن الصورة الظاهرة أمامه لا تعبر عن سوى التوجه للعيادة النفسية تلك العيادة التي تتبلور في ذهنه كفكرة (للنجاة) من تلك الدوامة النفسية التي يعيشها ومن ثم وبمجرد أن يطرق باب العيادة النفسية ربما يكتشف بعد فترة أنه في تلك الزيارة الأولى كان الأفضل نفسيا وجسميا من بعد مراجعات أخرى قد قام بها لاحقا. والسبب هو أن عدد ليس بقليل من الأطباء النفسيين يعتمدون في حل مشكلات المرضى على الأدوية النفسية. ومن هذه الخطوة تبدأ رحلة المشقة للمريض النفسي الذي ربما سيجد الراحة المبدئية من جراء استخدام ذلك النوع من الأدوية ولكنه في المقابل لا يعي بالضبط العواقب المترتبة على الاستمرار في تناولها وهنا تكون الكارثة، فقد لا يكون المريض من الأساس يحتاج إلى الدواء النفسي إلا أن بعض الأطباء للأسف يعدون أن هذا هو الحل الأمثل للتخلص من المريض ومن معاناته وتقديم العلاج السريع له، وبهذا فإن الموضوع يعد أمرا خطيرا لا بد من توعية المجتمع بأضراره ومن منطق العلاج النفسي هو أن تستخدم الأدوية في أضيق حدودها وفي حالات تعجز عن النجاح فيها الأساليب العلاجية كالجلسات مثلا .. فهل نستطيع طرق هذا الباب وتوعية المجتمع بآثاره السلبية بالغة الشدة!
