النفط في حياتي
بمناسبة اجتماع قمة دول "أوبك" الأخيرة تذكرت علاقتي مع النفط، فمنذ صغري ومنذ وعيت لما يحدث من حولي وأنا اسمع الحديث يدور عن البترول، وأنه ثروة المملكة الوحيدة، وكانت تبهرني اجتماعات "أوبك" في التلفاز ورؤية وزير البترول السعودي وقتها، وهو يدلي بتصريحاته النارية في أوقات الأزمات السياسية.
واكتشفت لاحقاً أن البترول هو النفط، ولا أعلم لماذا أيام المدرسة لم أكن على علاقة جيدة بالنفط، فقد شعرت بالحنق الشديد مع علمي بأنه مصدر الدخل الوحيد لدولة، وكنت أظن أن وجوده هو سبب الاتكال عليه وعدم سعي الدولة والشعب لتنمية مصادر أخرى للدخل.
وفي الجامعة جددت وتحسنت علاقتي به بعدما درست اقتصاديات النفط، وشعرت بأنني أعرفه لأول مرة ومعلوماتي القديمة عن النفط كانت غير صحيحة وظلمته المسكين..
وبدأت مرحلة جديدة من حياتي مع النفط مرحلة الشباب والعلم والاكتشاف والانبهار بهذه المادة العجيبة.
فعندما ارتفعت الأسعار في الثمانينيات تزوجت، وعندما انخفضت في نهاية التسعينيات أنجبت ابنتي. وعندما بدأ في الارتفاع في الألفية الجديدة توفي والدي، رحمه الله، وبعد حرب واحتلال العراق وارتفاع أسعار النفط بجنون اكتشفت مشروع قانون النفط والغاز الذي كتبته القوى المحركة والمسيطرة على السلطة والقطاع النفطي في العراق، وعندما قرب سعر النفط من مائة دولار أنهيت دراسة الدكتوراة.
وهكذا يستمر الوضع إلى ما لانهاية مع كل ارتفاع وانخفاض هناك مناسبة في حياتي سواء سعيدة أو حزينة.
وبالطبع لا ألوم النفط وأسعاره ولا "أوبك" وأخواتها على أي من الأحداث في حياتي، ولكن أرى أحداث حياتي ترتبط بتذبذبات أسعار النفط، وأربطه بها وأتذكر عندها المناسبة المرافقة.
وعلى المستوى العالمي لم تعد أسعار النفط في تأثيراتها تقتصر فقط على النزاعات الإقليمية وفي سياسات الدول وأداء الاقتصاد العالمي إن كان ازدهاراً أم كساداً، بل امتدت وبشكل مباشر على سلوكيات الناس وأذواقهم في الموضة ومظاهر الحياة. ويأتي ذلك التوجه في السلوكيات إلى تلك الحاجة للتكيف مع متطلبات العيش في ظل أسعار نفط مرتفعة ونمو في الاستهلاك حتى تجلى ذلك في عدة مظاهر سلوكية وتغير كثير من القيم الاجتماعية في الأنماط المعيشية.
فمع الشتاء القارس فإنه يتوقع أن تؤثر أسعار النفط على موازنات الدول من عجز أو فائض ومن استقرار أمني أو قلاقل سياسية ونزاعات ما، كما هو المؤثر أيضاً في نجاح أو فشل بعض المداولات التجارية والاتفاقيات الاقتصادية، فالعالم أصبح يتفاعل بحسب أداء أسعار النفط.
كما أن الدول التي تمر بأجواء مناخية باردة تعاني نمواً في وقائع السرقات وانحرافاً في نوعية الأغراض والممتلكات المسروقة، فلم تعد فقط المجوهرات والذهب وخزائن النقود والتحف هي هدف للسرقات، بل أخذت تشهد دول مثل الدنمارك زيادة سرقات البنزين والوقود.
وارتفاع أسعار النفط في أسبابه ونتائجه لا يقتصر فقط على الدول المستهلكة والمستوردة له، فإضافة إلى التضخم وارتفاع تكلفة المنتجات المستوردة على الدول المنتجة والمصدرة للنفط فهي أيضاً تعاني تغيراً في القيم والثقافة التي تتفاوت بحسب مجتمعاتها وأنظمتها السياسية، فهي ما بين تنامي الثقافة الاستهلاكية والقيم الاتكالية واللامبالاة فيها، إلى تصاعد المزايدات السياسية والخلافات الاجتماعية وانتشار الفساد والتحلل الأخلاقي، ويتخللها عدد من المحاولات القليلة جداً في توظيف العوائد النفطية في مشاريع تنموية اجتماعية واقتصادية. وأحياناً مشاريع لم يخطط لها جيداً مما ينذر بفشلها وإن كنا لا نتمنى ذلك.
وأرى النفط يتخلل في كل شيء حتى في الشعر فهذه قصيدة لنزار قباني عن النفط، وبالطبع المقالات والكتب من بعض الحساد مثل مقالة "نهاية عصر البترول" وهناك كتب حصلت على جوائز مثل كتاب " تحقيق البترول الملحمي للثروة والنفوذ" للمؤلف Daniel Yergin، وهناك أيضا الأفلام والقصص والروايات العالمية التي تدور حول النفط.
وعلى المستوى الشخصي أهم تأثير اقتصادي للنفط في حياتي هو قرار الاستثمار في شركات النفط ومنتجاته الدولية والمحلية، وأتمنى ألا أندم عليه.
لذا أعتقد أن النفط له ارتباط كبير بحياتي، فهل فكرت يوما في أثر النفط في حياتك؟