يتشكل المجتمع من أفراد وتتشكل ثقافة المجتمع تدريجياً من خلال ما يحرص الأفراد على تبنيه من أفكار تسكن في عقولهم ثم تترجم إلى عبارات ينشرونها بين الناس، وبعضهم يقوم بتحويل هذه الأفكار إلى أفعال ثم إلى رسالة يعملون من أجلها ويحرصون على تحقيق أهدافها وانتشارها إلى أن تصبح ثقافة مجتمع كامل.
ويحرص الأفراد على المضي قدما فيما يقبله المجتمع بصفة عامة أو يرفضه، ولذلك هناك العديد من القضايا الموجودة اليوم، اعتاد المجتمع على أن يراها بصورة معينة وعندما تختلف هذه الصورة أو تتغير أو لا يتم الالتزام بها، فإن المجتمع لا يتقبلها ويقاومها ويحرص في بعض الأحيان على نبذها، وهكذا ينشأ الجيل على عادات وتقاليد قد لا يكون لها ارتباط بالشرع، ولكن اعتاد الناس عليها ويجدون صعوبة كبيرة في التخلص منها أو قبولها.
وهناك ظواهر اجتماعية كثيرة تتكرر أمامنا يومياً ويمقتها المجتمع، إلا أنها مستمرة ولم يستطع بعض الناس حتى اليوم تغييرها، ومن هذه الظواهر ظاهرة عدم إغلاق الجوال أو إلغاء صوته أثناء الصلاة، وأكاد أجزم أنه في كثير من المساجد اليوم لا تكاد تقام صلاة وتنتهي إلا ويسمع المصلون صوت جرس هاتف جوال يدق ليشتت تركيزهم ويلهيهم عن صلاتهم، وعلى الرغم من تحذير الأئمة قبل الصلوات وتصريح بعضهم قبل الصلاة بإغلاق الجوالات وتنبيه أئمة آخرين عقب الصلاة أن جرس الجوال الذي سمع أثناء الصلاة قد أضر بالمصلين، إلا أن الأمر لا يزال مستمراً.
ولا تنحصر القضية فقط في موضوع الجوالات أثناء الصلاة، بل إن هناك ظواهر كثيرة ترتبط بهذا الجانب منها عدم الالتزام بآداب بيوت الله ونظافتها ونظافة دورات المياه فيها وعدم الحرص على ما هو موجود في المسجد من أوقاف وضعت له. وهناك ظواهر أخرى أصبحت وكأنها جزء من ثقافة المجتمع، ففي مجال المرور وعند الإشارة المرورية تجد أن هناك العديد من السيارات ترغب في الاتجاه نحو اليمين ويجيز لهم النظام ذلك غير أن بعض السائقين يجدون أن من حقهم الوقوف وعدم السماح للسيارات بالذهاب في ذلك الاتجاه، والبعض الآخر يأتي من أقصى اليمين ويتجه نحو اليسار وآخرون يسيرون في الخطوط السريعة بسرعة كبيرة على يسار الخط الأصفر وكأنه خط رئيسي وينثرون بذلك الحجارة والرمال.
ومن الثقافات الخاطئة المنتشرة عدم الالتزام بالوقوف في صفوف الانتظار في الدوائر الحكومية والقيام بالتدافع أو اللجوء إلى الأبواب الخلفية أو غيرها من السبل التي قد لا تكون مشروعة ولكنها تختصر الوقت والجهد، وليس المجال مجال تعداد لمثل هذه الممارسات التي قد لا يتسع المجال لذكرها، ولكن الهدف هو أن نعمل سوياً على تغيير هذه السلوكيات الخاطئة ونبذ هذه الممارسات التي انتشرت في مجتمعنا وأصبحت جزءاً من ثقافتنا.
ويبدأ العلاج لمثل هذه الظواهر من خلال الفرد وحرصه على أن يراقب تصرفاته وأن يفعل ما يحب أن يفعله له الناس ويبتعد عما يأمل أن يبتعدوا عنه وألا يأمر الناس بالبر وينسى نفسه، أو ينكر على الناس فعل أمر ما ثم يقوم هو بفعله، كما أن جزءاً من العلاج يتمثل في مراجعة الأنظمة والقوانين الموجودة حالياً وآلية تطبيقها والقيام بتعميمها على الناس كافة، فكثير من هذه الممارسات الخاطئة انتشرت بين الناس لأنهم أمنوا العقوبة ومن أمن العقوبة، أساء الأدب.
إنها قضايا مهمة تمس مجتمعنا الذي نعيش فيه، والذي نتمنى أن يكون أفضل المجتمعات وأن نفتخر به دائما وأن يكون من فيه قدوة للآخرين خصوصاً ونحن نعيش في بلد الحرمين ومنبع الإسلام وتجاهلنا لمثل هذه الظواهر والسكوت عنها أو انتقادها ومواصلة الامتعاض منها لن يوصلنا إلى شيء ولن يساهم في إيقافها، فلا بد من عمل جاد ومتواصل ولنبدأ بظاهرة واحدة يتم التركيز عليها ولتكن أكثر هذه الظواهر شيوعاً وتأثيراً على مجتمعنا والسعي نحو مقاومتها وإزالتها وحفظ المجتمع منها إن أردنا لمجتمعنا أن يتقدم أو يرتقي.
