وزارة التربية والتعليم.. والاستثمار البشري المهدر

منذ عدة سنوات أطلقت الوزارة برنامجاً طموحاً لتأهيل عدد من منسوبيها من شاغلي وشاغلات الوظائف التعليمية لاستكمال الدراسات العليا في مرحلتي الماجستير والدكتوراة، بهدف شغل الوظائف القيادية في الجهاز المركزي والإدارات التعليمية في عدد من التخصصات ذات العلاقة بالعملية التعليمية بقيادات مؤهلة تأهيلاً عالياً في عدد من التخصصات ذات العلاقة بالعملية التعليمية. والتحق بهذا البرنامج عدد من مديري المدارس والمعلمين وحصلوا على درجة الدكتوراة من الجامعات السعودية، وعلى وجه التحديد من كليات وأقسام التربية في جامعة الملك سعود، جامعة أم القرى، وجامعة الإمام محمد بن سعود، إلا أن العشرات من هؤلاء الخريجين فوجئوا بتوجه الوزارة الذي يدعوهم إلى العودة والعمل مرة أخرى في وظائفهم التعليمية.
ولعل من المحتمل أن هذا التوجه قد بني على خلفية ممارسات خاطئة فيما مضى، حيث عمد بعض الإدارات من الجهاز المركزي أو الإدارات التعليمية إلى تفريغ عدد كبير من مديري المدارس ومعلميها للعمل في وظائف إدارية خارج المدارس ومن خلال استحداث هياكل تنظيمية ربما تمثل عبئاً إدارياً أو بطالة مقنعة، الأمر الذي انعكس سلباً على القدرة التفاوضية للوزارة بطلب أو استحداث وظائف جديدة على مستوى اللجان المعنية بهذا الأمر والمكونة عادة من وزارات الخدمة المدنية، والاقتصاد والتخطيط، ومع تأييدنا هذا التوجه من حيث المبدأ لمعالجة قضايا سوء استخدام وتوزيع الموارد البشرية، إلا أننا نرى أن التطبيق الجمعي لهذا التوجه دون استثناء في حاجة إلى إعادة نظر في ضوء أبسط المعايير أو المبادئ أو المفاهيم المتعارف عليها في المجالين الإداري والاقتصادي.
أما فيما يتعلق بمبدأ أو معيار العدالة والمساواة فلعل من الإجحاف سريان هذا القرار على الجميع وشموله المعلمين والمديرين الذين قدموا تضحيات مادية ومعنوية خلال انخراطهم في برامج الدراسات العليا وعلى وجه الخصوص مرحلة الدكتوراة، وبذلوا مجهوداً علميا وفكريا مضنياً ناهيك عن الضغوط النفسية والأسرية والمجتمعية التي عادة ما تصاحب الالتحاق بهذه البرامج والتقيد بمواعيدها والالتزام والوفاء بمتطلباتها العلمية والعملية.
وانطلاقاً من مفهوم العمل المؤسسي فإن قرار تبني الوزارة قبل سنوات قليلة برنامج الابتعاث لا بد أنه بني على مسوغات ومبررات تتصدرها الحاجة الفعلية إلى تأهيل مجموعة من القيادات الإدارية والفنية القادرة على إحداث تطوير حقيقي في العملية التعليمية، وليس من المنطق أن تبدلت هذه الحاجة في الوقت الحالي، ولا يمكن تفسير مثل هذا التغير والتبدل في توجهات الوزارة إلا نتيجة غياب العمل المؤسسي الذي يأخذ في الاعتبار مصلحة قطاع التعليم واحتياجاته وطموحاته المستقبلية، التي ينبغي أن تحدد وفقاً لأساليب ومنهجيات علمية ولا تخضع للتبديلات أو التغيرات القيادية.
أما بخصوص الكفاءة والإنتاجية والعائد الاستثماري فإن جميع هذه المعايير تنفق على تعظيم الفوائد والمنفعة والتقليل من الخسائر والتكلفة، وفي تقديرنا أن إعادة الوزارة منسوبيها الذين تم ابتعاثهم وتأهيلهم تأهيلاً عالياً إلى وظائفهم السابقة التي لا تتطلب مثل هذا التأهيل صورة من صور الهدر للاستثمار البشري التي ينبغي تلافيها أو الحد منها.
وليس بخاف أن الاستثمار في العنصري البشري يعني الاستثمار الحقيقي في أغلى ثروة تمتلكها الوزارة ولا ينبغي التفريط فيها أو إهمالها أو تهميشها، ولا سيما أن الوزارة مقبلة على عملية تطويرية كبرى نحتاج فيها إلى كل العناصر المؤهلة من الذكور والإناث المنتسبين إليها.
وفي ضوء ما سبق، أتوجه لقيادات الوزارة ممثلة في معالي الوزير ونائبيه وثقتي بحكمهم وحنكتهم كبيرة، بأن يبذلوا كل ما في وسعهم للإفادة القصوى من تلك الطاقات والإمكانات البشرية التي استثمر فيها لسنوات عديدة، ولا سيما أن الوزارة تشهد انطلاقة مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم العام، هذا المشروع العملاق الذي يحتاج إلى تجنيد وتوظيف كل الإمكانات والقدرات البشرية المؤهلة والعمل على تهيئة أجهزة الوزارة وإداراتها ومؤسساتها للمرحلة الجديدة لعمليات التكيف والتطوير. وإني على ثقة كبيرة بأن أبناء وبنات الوزارة ممن حصلوا على شهادة الدكتوراه من برامج ذات سمعة علمية معروفة ومعترف بها أكاديمياً، أو الملتحقين بها حالياً، سيحظون بكل الدعم والتقدير من قبل قيادات الوزارة ليتمكنوا من أداء المهام الجديدة المتاحة لهم والتي تتناسب مسؤولياتها مع مستوى التأهيل العلمي والدرجة الممنوحة لهم وما يحقق العوائد الاستثمارية المرجوة على المستويين الفردي والمؤسسي معاً، والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي