الفوائد البنكية بين الإباحة الجزئية والتحريم الكلي

[email protected]

تظهر بين الفينة والأخرى فتاوى عن إباحة فوائد البنوك. وآخر تلك الفتاوى ما صرح به شيخ الأزهر ورئيس مجمع البحوث الإسلامية الدكتور محمد سيد طنطاوي قائلا "إن فوائد البنوك والمصارف المالية المحددة مسبقا مباحة شرعا ولا تعد من الربا المحرم" لمجلة المصارف الكويتية. فحسب موقع أسواق نت، فإن طنطاوي "أكد أن ذلك يعد ضمانا بصورة أفضل لأموال المودعين في تعاملاتهم مع البنوك المختلفة." وتستند الفتوى حسب موقع إسلام أون لاين على:
1. أن المتعاملين مع البنوك يقومون بتقديم أموالهم ومدخراتهم إلى البنك ليكون وكيلاً عنهم في استثمارها في معاملاته المشروعة، مقابل ربح يصرف لهم، ويحدد مقدمًا في مدد يتفق مع المتعاملين معه عليها.
2. أن هذه المعاملة تتم بتراضي الطرفين، ولم يرد نص في كتاب الله أو السنة النبوية يمنعها.
3. أن تحديد الأرباح مقدمًا يتم بمعرفة البنوك بعد دراسة دقيقة لأحوال الأسواق العالمية والمحلية والأوضاع الاقتصادية في المجتمع، ولظروف كل معاملة ونوعها ومتوسط أرباحها، وأن هذا التحديد قابل للزيادة والنقص، ونافع لصاحب المال والقائمين على البنوك.
ويبدو أن هذه الفتوى تركز على الفوائد المودعة في البنوك في شكل حسابات ادخارية أو وديعة. ولم تتطرق إلى عكس ذلك في إقراض البنوك للأفراد والشركات، ولم تفرق بين الإقراض للأفراد والشركات. مع العلم أن الإقراض للأفراد لأغراض استهلاكية يمثل جزءا مهماً من محفظة قروض البنوك لأغراض استهلاكية مثل شراء السيارات، والمفروشات، ناهيك عن قروض البطاقات الائتمانية، والسكنية. مما يجعل مجرد الحديث عن وجه واحد فقط من الفوائد البنكية غير ذي جدوى. إذ ينبغي إعادة دراسة الفوائد البنكية من قبل المجمعات الفقية، ومقارنتها بالمنتجات الإسلامية مثل المرابحة والتورق والاستصناع، وأي منهما أكثر فائدة للمجتمع وأقل ضرراً على الأفراد. فالإباحة الجزئية لنوع واحد في مسألة الفوائد البنكية هو بتر كبير لمفهوم النقود ولدور البنوك التقليدية والإسلامية على حد سواء.
إن مجرد العودة إلى تعريف النقود، واعتبارها سلعة يمكن بيعها (إقراضها) وشراؤها (اقتراضها)، وكذلك أن لها قيمة زمنية يستأجرها المقترض لفترات محددة يتمكن خلالها من تحقيق عوائد، وأن البنوك وكيلة لإدارة الودائع لديها، لن تكون كافية في إباحة الفوائد البنكية. فالمجمعات الفقهية – مثل مجمع الفقه الإسلامي، تناط به مسؤولية مراجعة ودراسة ماهية النقود، وماهية الفوائد البنكية، وهل تلك الفوائد هي الربا المحرم المنصوص عليه في القرآن الكريم. إن مجرد الإقرار بإباحة الفائدة في شكل فتاوى مبسترة هو إعلان بهدم البنوك الإسلامية القائمة الآن، و تراجع كبير في الإقبال على المنتجات الإسلامية المبتكرة في التمويل والإقراض في فترة ذهبية تعيشها البنوك الإسلامية في ظل الازهار الاقتصادي الكبير في المنطقة العربية والإسلامية ككل، وفي ظل حدوث نجاح واضح في انتشار المنتجات البنكية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية في البنوك التقليدية في الغرب والشرق.
إن العودة إلى دراسة الفوائد البنكية بمعناها التقليدي على أنها الربا المحرم ومقارنتها بالمنتجات الإسلامية (المرابحة والتورق) وتبيان منافعها ومضارها للمجتمع والأفراد، وخصوصاً في جانب القروض والتمويل الاستهلاكي هي المحك والتحدي الحقيقي الذي يجابه نجاح البنوك التقليدية والإسلامية. ذلك أن القروض الاستهلاكية تأتي من حاجة الفرد إليها، وينطوي عليها عدم تكافؤ القوة التفاوضية بين الفرد والبنك (تقليدي أم إسلامي)، وبالتالي تنطوي على استغلال، وهذا الاستغلال هو أحد عوامل تحريم الربا، بل والحكمة من تحريمه. ويأتي الإقراض والتمويل الاستثماري لأغراض الاستثمار والمتاجرة للأفراد والشركات – بالنسبة لي أقل أهمية – حيث إن الأفراد والشركات لا يقدمون على طلب القروض إلا وهم يهدفون إلى تحقيق ربح من وراء القرض أو التمويل، لذا قد تنتفي حكمة الاستغلال، وهذا لا يعني إباحة الربا أو الفائدة، حيث تترك للمجمعات الفقهية.
لذا فإن السؤال الذي يجب أن يطرح ويبحث من قبل علماء الأمة والمجمعات الفقهية ليس عن دور البنوك ووظائفها وهل هي موافقة للشريعة الإسلامية أم لا، بل في حل الإشكال حول مفهوم الفائدة والمرابحة مقابل مفهوم الربا في ظل تطور هندسة وهيكلة عمليات التمويل سواء لتتوافق مع الطريقة الإسلامية أو الطريقة التقليدية. فقطاع التمويل يشهد إبداعات وتطورات كبيرة في عمليات التمويل والإقراض، تعجز بعض البنوك في منطقتنا عن ملاحقتها، مما يدعونا إلى دعوة المجمعات الفقهية إلى متابعتها بشكل دوري لتكوين مفاهيم واضحة لمفهوم الفوائد البنكية ومفهوم المنتجات الإسلامية، بشكل لا يدع مجالاً لاجتهادات الأفراد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي