هل نحن صائمون؟

[email protected]

خص الله ـ سبحانه وتعالى ـ شهر رمضان الكريم بكثير من الخيرات فجعل ثواب صيامه وقيامه هو العتق من النار وقال عنه "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به".
وإلى جانب الطاعات, والعبادات, والصيام, والقيام, فهذا الشهر المبارك هو شهر السمو بالنفس, وطهارة اليد, وعفة اللسان, والإحساس بآلام الآخرين خاصة الفقراء والمحرومين والتصدق عليهم, والإحسان إلى المساكين, وذوي القربى وعمل كل ما يؤكد إنسانيتنا ورفعة أخلاقنا في هذا الشهر الكريم.
وعلى كل إنسان أن يسأل نفسه ماذا فعل من الطاعات والأعمال الصالحة ما يشفع له عند الله ـ سبحانه وتعالى ـ في هذا الشهر الكريم؟ وعلى كل إنسان أن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب وأن يقيم أعماله ليعرف ما إذا كان قد حقق الغرض من صومه.
ويؤلمني كثيراً أن بعض الناس في هذا الشهر الكريم يشطط في تصرفاته بحجة أنه صائم فيأتي من الأفعال ما يتناقض مع سماحة هذا الشهر الكريم وسموه. من هذا مثلاً فقد رأيت أمس عند إحدى إشارات المرور أربعة شبان مفتولي العضلات وهم ينهالون ضرباً على رجل كبير السن بسبب أنه حاول أن يتخطاهم وهذا حق مشروع في المرور. وعندما حاول الرجل أن يعتذر بادره أحد الشبان بلكمة طرحته أرضاً وانهال عليه الآخرون ركلاً وضرباً.
لقد تألمت أشد الألم من هذا المنظر الذي يدل على أن بعض شبابنا ليسوا فقط بعيدين عن الصيام وعن التدين وإنما أيضاً بعيدون عن عاداتنا وتقاليدنا التي توقر الكبير وتعظمه. لقد كنا لا نجرؤ على رفع العين على كبار السن فكيف تحول بنا الحال إلى ضربهم؟
وحكت لي ابنتي أنها كانت في إحدى المكتبات المشهورة في مدينة جدة, وكانت المكتبة مزدحمة بالزبائن فرأت عدداً من النسوة المتحجبات حجاباً شديداً من أخمص القدم إلى أعلى الرأس وهن يتجاوزن الصف الطويل للوصول إلى الخزانة (الكاشير) لدفع ثمن ما اشترينه وهن غير عابئات بالعدد الكبير من الزبائن الذين كانوا يقفون في الصف.
هل هذا هو الإسلام؟ هل الإسلام في المنظر واللبس فقط أم إنه سلوك وتصرف سوي واحترام للنظام؟ إن هؤلاء النسوة اتخذن الإسلام مظهرا وليس جوهرا ولا أعتقد أن لهن من صيامهن شيئا غير الجوع والعطش إن كن صائمات.
ولاحظت ظاهرة أخرى أصبحت تستفحل في مجتمعنا وهي إيقاف السيارات أمام منازل الآخرين بحجة إدراك الصلاة. إن غلق أبواب الناس بالسيارات عمل لا يتفق مع الإسلام ولا مع تعاليمه التي تقتضي عدم التعدي على حقوق الآخرين. وحكيت هذه الظاهرة لأحد الأصدقاء، فقال إنه أراد أخذ أمه في أحد الأيام إلى الطبيب وعندما أنزلها معه وجد سيارة جمس كبيرة تغلق باب داره أوقفها رجل دخل المسجد لأداء الصلاة!!
إن السلبيات في هذا الشهر الفضيل يجب أن تنتهي من حياتنا ويجب أن تنتهي الأعذار عند التقاعس عن أداء العمل بحجة الصيام وما الصيام إلا تهذيب للروح والنفس واختبار للإرادة وقوة التحمل والتغلب على شهوات النفس الرخيصة والسمو بها إلى عالم من السماحة والجمال.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي