إعادة تصدير الأفكار
في كُلِّ جيلٍ يتسلّطُ الضوءُ على مجموعةٍ قليلةٍ من الشعراء، وتبقى الأغلبية ما بين من هم تحتَ ضوءٍ خافتٍ ومن هم خارجَ دائرة الضوء من الأساس، وبما أن لكلِ جيلٍ ظروفهُ الخاصة فإن الأضواءَ تتبعُ الأكثرَ إثارة، هناك جيل كانت تتسلط الأضواء فيه على الأكثر شاعرية، والأكثر فكاهة، والأكثروسامة، وهناك جيل تتسلط الأضواء فيه على الأكثر غرائبية، شعراً وسلوكاً، والأكثر فكاهةً أيضاً، والأكثر وسامة دائماً، أضف إلى ذلك ما يسمى بمتطلبات المرحلة، فهناك مراحل زمنية تكون الإثارة فيها من خارج شكل وثقافة الشاعر، كالأحداث السياسية والدينية والاجتماعية التي تفرض في كثير من الأحيان نوعية الشعر المتسيد للموقف، كالذي حدث بين الحداثيين والأصوليين في ساحة الشعر الفصيح في الثمانينيات من القرن الماضي، وكالسجال الذي تجدد بينهما إبان أزمة الخليج الثانية، وما نريد الحديث عنه هذه المرة هم الشعراء المبدعين الذين يبقون تحت ضوءٍ خافت في أي جيلٍ من هذه الأجيال، فالتاريخ يقول إنهم شعراء مبدعون ولكنهم وقعوا ضحيةً لحسابات إعلامية خاصة، والجمهور في كل الأزمان يتبع الإثارة الإعلامية إلاّ من رحم الله، لذلك نجد أن بعض الشعراء لا يحصل على كفايته من الضوء، أو حقه المشروع ـ أصلاً ـ إلاّ في الجيل الذي يلي جيله، حيث يظهرون بتجل أكبر عندما يدير التاريخ ضوءه الأقوى باتجاه تجاربهم متجاهلاً الكثير من شعراء الفكاهة والقبلية والوسامة، يدير ضوءه المنصف بفعل القارئ الواعي، ليفاجأ الشاعر الذي قارب على الإحباط بأن التاريخ يعيد تلاوة نصوصه بصوتٍ كأنه يأتي من السماء، فيعمّ الأرض كلها، وتتناقله الذوائق الشابّة وكأنه للتوّ خرج من تنّور الروح، كما يحدث هذه الأيام في كل مواقع ومنتديات الشعر لنصوص نشرت قديماً لسعد الحريص ومتعب التركي ومسفر الدوسري ونادر العماني وخالد محمد العتيبي، شعراء زاملوا كبار الشعراء وأضاؤوا معهم ليالي الشعر ولكنهم لحسبةٍ إعلاميةٍ معينة بقوا تحت ضوءٍ خافت إلى أن أدار التاريخ شموسهُ باتجاههم