تحالف السطوة والثروة يصنع الرؤساء ويدمرهم
ولاية تكساس هي إحدى ولايات الجنوب الأمريكي التي وقفت ضد الاتحاديين الشماليين في الحرب الأهلية التي يمكنك فيها شراء سلاح من محل بقالة باسم مستعار وهي مقر لعبة الروديو أم اللعبات الخطرة ومحور قصص الغرب الشرس بوجهه القبيح، والعبودية في أخس معانيها. هي ولاية نفطية ولا يسبقها في الثروة إلا كاليفورنيا لمساحتها وتعدد أنشطتها. وشاءت الأقدار أن تلعب أدوارا محورية في تاريخ الولايات المتحدة والعالم.
في الثاني والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) 1963 أغتيل الرئيس الأمريكي كيندي (ديموقراطي ماس شوستس في مدينة دالاس في ولاية تكساس. وقد وصف الحادث بأنه جريمة القرن العشرين. كان كيندي رئيسا وسيما متألقا له زوجة جميلة تتمتع بشعبية هائلة، مما أكسبه الانتخابات ضد سياسي متمرس هو ريتشارد نيكسون. لم تغفر المؤسسة السرية هذا النجاح لكنيدي لعدم اطلاعه على أجندتها وسرت الأقاويل إن كنيدي سرق الرئاسة من ديموقراطي آخر تربى في أروقة الحزب على أيدي القوى التي تعد الرؤساء وهو ليندون جونسون الذي اختير نائبا لكيندي.
بعد إطلاق الرصاص على كيندي وقتله، وإصابة حاكم تكساس جون كوناللي بأربع رصاصات أحدثت إصابات خطيرة، أعلن أن شخصا يدعى لي هارفي أوزوالد هو القاتل. وامتلأت الصحف بقصص خلفية عن أوزوالد بأنه ماركسي كينني عاش في الاتحاد السوفياتي وكان متزوجا من روسية. وقد ثبت كما أعلن وقتئذ أنه تربص في الأماكن التي سيمر بها موكب الرئيس وأطلق عليه ثلاث رصاصات في ست ثوان من بندقية قديمة الطراز، بعد يومين من القبض على أوزوالد قتله شخص يدعى جاك روبي كان مريضا بالسرطان وقيل إنه قبل صفقة قتل أوزوالد مقابل معاش كبير مكافأة لأسرته. وفعلا مات جاك روبي في السجن، ليموت معه السر، وتعلن واشنطون أن الملف أغلق وأن عهدا جديدا قد بدأ.
وأول قرار اتخذه جونسون ابن تكساس البار هو إلغاء قرارات كيندي التي كانت تستهدف إخراج الجيش الأمريكي من وحل فيتنام. والمعروف لدى محرري الأخبار أنه لكي تكتمل عناصر الخبر لا بد من الإجابة على ستة تساؤلات، هي: من فعل ماذا ومتى أين ولماذا وكيف. والعناصر كافة واضحة ومشروحة ما عدا لماذا، ثم: من الذي قتل بفتح القاف؟
بعد سنوات طويلة من التحري للمدعي العام في لويزيانا أثبت أن عدد الرصاصات أكثر بكثير من الطلقات الثلاث المزعومة، وذلك أن كيندي ناله ثلاث رصاصات قاتلة وحظي كوناللي حاكم تكساس بأربع خطيرة ومات عابر سبيل يدعى تيجين غير رصاصات قليلة طائشة. وثبت أن ثلاثة مواقع كانت تطلق النيران طلقة في حنجرة الرئيس وأخرى في مؤخرة رأسه هشمتها .. وثالثة في ظهره. وأن اختيار ثلاثة مواقع يؤكد على احترافية المخططين والمنفذين، لأن المطلوب ألا يفلت الرجل بأي حال، كما يؤكد على سذاجة الرواية التي تم ترويجها على أنغام الجنازة والأحزان والصدمة، وعند انقشاع السحب وتبدد الدخان ظهرت الحقائق رويدا رويدا، وأجمع المراقبون على أن نية كنيدي إنهاء الحرب هي التي قتلته. لأن أمريكا كانت تنفق 80 مليارا تذهب معظمها لشراء أسلحة وتصب في خزائن الشركات العملاقة التي تختار الرؤساء وتستخدم السبل كافة لتحقيق ما تريد، والمعروف أن الولايات المتحدة دولة حرب لا تعيش دون الحرب، والسلام الذي تتحدث عنه هو نكتة ترتطم بمصالحها. فالحرب تحرك العلم والتكنولوجيا وسباق الفضاء والاستيلاء على النفط والحرب تخيف المنافسين سواء كانوا من الأعداء أو الأصدقاء، والحرب تنعش كبرى صناعات الإنسان وهي صناعة السلاح الذي يجري تصدير الفائض منه بالمليارات. والمتابع للولايات المتحدة يجد أنها تنتقل من حرب إلى حرب لأسباب لا تمس أرضها أو مصالحها المباشرة، فبعد الحرب العالمية الثانية التي دخلتها لاقتناص فرصة الهيمنة من الدول المنهكة دخلت حرب كوريا ثم فيتنام ثم حروب تقويض الدول المعادية أو التي لا تلتزم بتعليماتها مثل مصر في سنة 1967، وعلاقاتها بكل دول العالم تنبع من حجم ما تحصل عليه، فهذه إسرائيل لتخويف المنطقة مثل إيران زمن الشاه، وهذه بريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا وكوريا واليابان على استعداد لدخول معارك لا تعرف شيئا عن أسبابها ولا تشارك في جني ثمارها بعد موت كيندي أسست واشنطن لجنة إيرل وارين وهي إحدى صيغات تعزيز التدليس والخداع. وتوصل القاضي الحصيف إلى النتيجة نفسها وهي أن أوزوالد هو المجرم الأوحد مع أن أوزوالد كان يبدو "كفلاح في كنيسة قوطية". Like a Farmer in agothic church.
وهو مثل إنجليزي يطلق على من لا يعرف ما يجري حوله من فرط الاندهاش والانبهار. لقد أكمل وارن المدني والقاضي ما تبقى لاحتواء الحقائق التي تبرز بين وقت وآخر، ووضع حتما شرعيا على ما توصلت إليه أجهزة الشركات العملاقة والتي تحمل أسماء مثل الـ: إف. بي. آي FBI (مكتب التحقيقات الفيدرالي) والـ: سي. آي. إي CIA (وكالة المخابرات المركزية) وليس سرا على أحد حجم المصداقية التي يوليها الأمريكيون لجهازين مهمتهما الوحيدة التبرير والتمكين للقوى الحقيقية.
وقد أثار البعض بشائعات عن تورط المافيا في قتل كيندي لإبعاد الشبهة عن جونسون والشركات ولكن المافيا أعلنت أنها لا تحب قتل الرؤساء لأن ذلك يورطهم ولا يعود عليهم بأي مكاسب ولم تلق رواية المافيا أي تصديق حيث كذبها أعمدة المافيا واحد بعد الآخر.
ومن أجل تبرير القتل قالت أجهزة بث الإشاعات الرسمية، إن انحناء كيندي أمام خروشوف في أزمة خليج الخنازير قد أضعف هيبة أمريكا، وإن خروجه من فيتنام سيمثل انسحابا ثانيا قد يؤدي بسمعة الولايات المتحدة، المعروف أن الرئيس كيندي قال في معرض تبريره للخروج من فيتنام: "إذا كنا لم ندخل كوبا المجاورة رغم كل ما كان بيننا، فلماذا ندخل ما دامت تبعد عنا آلاف الكيلومترات لمجرد قتل أبنائنا؟" وقيل إن هذا التصريح كان بغيا لكيندي نطق به لسانه. وقد خسرت أمريكا 70 ألف قتيل ومئات الآلاف من الجرحى والمعوقين عقليا ونفسيا ومليون ونصف أمريكي آسيوي Amerasians هم أبناء الجنود الأمريكيين من زوجات فيتناميات.
نعود إلى تكساس المخيفة صاحبة القصص العنيفة والسلاح المتداول واللهجة الخاصة والقبعة المميزة والعنصرية المقيتة والشعور بالاستعلاء على كل الأمريكيين فنقول إنها تحالفت بكل قواها وعادة عصا السيطرة إليها. وهو أمر متواصل في الانتخابات, فهي الولاية التي تصوت للشركات وحيثما أشارت مجموعة الشركات اتجه التصويت الانتخابي لمجمع تكساس كثيف العدد وقد أفرزت الرئيس جورج بوش الأب الذي زرع كنائب إلى جوار ريجان لإذكاء الحرب العراقية ـ الإيرانية ثم قيامه بتزعم التحالف الذي طرد صدام حسين من الكويت مع تردد قوي لإشاعات بأن صدام حسين حصل على الضوء الأخضر من "أريل جالا سبي" السفيرة الأمريكية التي قالت له إن الولايات المتحدة فيما تعتقد ليس لها اتفاقات عسكرية أو تحالفات مع الكويت مما شجع صدام على المضي قدما بمغامرته الحمقاء (اختفت جالا سبي تماما من مسرح السياسة) وتكساس هي التي أفرزت جورج بوش الابن الذي يعيد تاريخ تكساس آخر (رغم اختلاف الأحزاب) هو ليندون جونسون, وليست بحاجة إلى الحديث عن منجزات جورج ووكر بوش أو بوش الابن, فقواته في العراق وأفغانستان تحكي الحكاية والرجل لن يخرج إلا بإذن صريح من المؤسسة الخفية التي تعتقد أن الولايات المتحدة دولة حرب, ولا بد أن تحارب طوال حياتها حتى تتدفق الأموال إلى أوماها (عاصمة صناعية الذخيرة) وإلى تكساس وكارولينا الجنوبية وكاليفورنيا وغيرها من ولايات صنع السلاح.
وليس سرا أن نهاية الحرب الباردة كانت كارثة على مروجي الحروب وأن إشعال حروب طويلة هو الحل الأوحد لاستمرارها ألم نقل إن التاريخ يعيد نفسه وأن جونسون وبوش الأب والابن ينفذون أجندات مهمة؟