مواطنٌ سمِع، ففتحَ حِجرَه

[email protected]

تجد أن الجمعَ من المسؤولين في كل مقام، وعلى كل جهة مسؤولة لتقديم خدمات وتوفير حاجات للمواطن يؤكدون على الدوام أن كل شيء في النهاية يصب في خير المواطن، ولا شك أن هذا يبهج المواطن، ويجعله يرفل في بحر من التفاؤل، ولكن المواطن في ابتهاجه وفي تفاؤله يحسبُ أن الخيرَ سيصب في حـِجرِهِ، وأن هذا الخير سيسقط فوقه، لذا فإنه يفتح هذا الحِجرَ لتلقي هذا الخير، ويترصده أن يقع فيه الآن، وليس غدا، مباشرة وليس عبر طرقٍ لا يكتنهها ولا يعرف مساراتها، ولا حتى يعرف قراءة خريطتها.. إن كان لها خريطة. فيبقى حـِجرَهُ مفتوحاً، ولكن يبقى خاليا، حتى من تلك البهجة وذاك التفاؤل!
المواطن من أسعد الناس وهو يرى المسؤول يطل من الشاشة مبتسما ( لا أضمن ذلك الابتسام دائما) أو يشرق على صفحات الجرائد ليصرح ويؤكد في تكرار، أن كل هدف قطاعه، أو إدارته، أو جهازه يصب "في خير المواطن"، وأيضا نؤكد أن لا أحد يشك في ذلك. المواطن من أسعد الناس وهو يرى الخطط بالمليارات وكلها تصب في "خير المواطن"، لا أحد يشك في ذلك. والمواطن يترنحُ طربا وهو يسمع ويرى ويقرأ عن المشاريع "الفوق- عملاقة" تـُدشـَّن تتالى بمبالغ وأرقام تـُطيِّر العقلَ، ثم يتم التأكيد أنها ل"خير المواطن"، ولا أحد يشك في ذلك. إذن كله يصب في "خير المواطن"..
ولكن أنسينا شيئا؟!
أنسينا أن المواطن َما زال فاتحا حِجْرَهُ منتظرا أن يسقط عليه الخير.. الآن. الآن وليس غدا!
نعم، المواطن يريد أن يصب الخير عليه وحوله الآن قبل الغد. والمواطن رغم فرحه الشديد بكل هذا الخير المتدفق، يريد فعلا أن يخرج من بيته أي صباح ومعه ابنه الصغير أو ابنته ويجد لهما المدرسة المناسبة في حيّه، وبلا تعطل أو تقبيل الأنوف، ويريد أن تكون المدرسة عادية وليست لزْماً مبنية بمواصفات مدرسة بالسويد، يريدها مضاءة، جيدة التهوية، بمعامل صغيرة، ومرافق مناسبة ونظيفة وجهاز تعليمي جيد الإعداد. ويريد المواطن عندما يتخرج الأبناء أن يجدوا الجامعات تستقبلهم، وبلا فواصل الرعب السنوية التي تشيب الولدان من الآباء والأمهات، وقبل ذلك البنات والأولاد أنفسهم، أو يجدون معاهد معدة لهم لكي يدخلوا السوق بتدريب وتعليم وتأهيل مناسب. يريد المواطن أن تكون فرص العمل متاحة الآن، وليس بالتضييق في القوانين، ولكن في الحث على المشاريع الفورية، وتشجيع الروح العملية والعصامية لدى الشباب، وتشجيع وتمويل المشاريع الصغرى. يريد المواطن أن تعود ابنته أو زوجته أو أخته المعلمة سالمة وهانئة بعد أن تخرج في الفجر الباكر إلى مقر عملها خارج مدينته بأميال وأميال ولا يقف على كل خلية من أعصابه حتى تعود.
يريد المواطن أن يخرج للعلاج، ويجد المستشفى مهيأ لعلاجه وصرف دوائه، ولا يريده لزماً أن يكون بمستوى مستشفى "مايو كلينك" الأمريكي، ولكن أن يجد الموعد آنيا للعلاج، وليس ورقة صفراء تطلب منه أن يؤجل مرضه لأسابيع أو شهور، والمريض السعودي مسكين، فهو ليس مزودا بمهارات إقناعية كي يقنع مرضَهُ أن يخرج من جسده ثم يعاود الزيارة بعد أسابيع أو شهور حتى يحل الموعد المضروب له من المستشفى، ولا المرَض له ذوق متفهم فيقبل ذلك(!).. فلا بد إذن من رؤية الطبيب الآن، وصرف العلاج الآن، وأظن أن المواطن المريض السعودي يحق له أن ينال تشخيصا صحيحا لحالته، وليس تشخيصا حسب المزاج. ولو كنت مسئولا في التعليم الطبي لوضعت مادة إجبارية للتشخيص من السنة الأولى حتى يُؤهل الطبيبُ ليكون استشاريا، من حيث كونه علما وفنا وإحساسا.. ومصيرا!
وأظن أن المواطن متقاعدا يريد حقه كاملا الذي صرف عمره العامل يعمل من أجله، وأن يكون معها قدر مناسب من الكرامة – ليس كثيرا مثل مواطن سويسرا لزْماً، ولكن القليل الآن يكفي- ويريد أن يستعد للرحلة الأخيرة وهو مطمئنٌ على أهله.
يريد المواطن مسكنا أو حلا لمسكن الآن وليس غدا، ويريد المواطن الفقير أن يخرج من فقره الآن وليس غدا، وهذا ليس حلا سحريا، لو أطلق للعمل الخيري المؤسساتي الأهلي الجيد كامل المرونة، وتجهيز الفسحة المناسبة للمساهمات الخيرية المنتجة الكبرى وليكون رافدا ومساعدا للأجهزة الرسمية في حل مسألة الفقر لكانت خدمة عظمى تقدم لرفع الفقراء من مستنقعات الحاجة والمعاناة..
وهذا هو التفسير الذي يفهمه المواطن الآن من معنى جملة " الخير من أجل المواطن".. ويريد بالطبع أن يفهمه المسئولون.
..لا غير!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي