البريد .. البنك .. الـ "دي إس إل" وأشياء أخرى

[email protected]

العودة إلى الكتابة بعد إجازة أمومة مطولة استمتعت فيها بزين الشرف التي انضمت إلى أجواد، لها حلاوة، والعودة إلى أرض الوطن بعد شهر عمل وشهر إجازة لها طلاوة، ولكن طلاوة العودة ومتعة الاسترخاء سرعان ما طارت من الشباك خلال سويعات لم تكتمل فيها دورة الليل والنهار. ثم وضعت ما جعلني أفوق من وهم الإجازة في قائمة ضاقت بها صفحات المفكرة وربما تضيق بها شرايين من يقرأها لا من يعيشها، وعلى الرغم من أني لا أرغب في المقارنة لكني أجد نفسي مضطرة لذلك، هي مقارنة مع إحدى مدن ضواحي العاصمة الأمريكية واشنطن.
عند الوصول وبمجرد فتح باب الطائرة تبدأ المتناقضات تصطف وتلاحقك. لمن تسافر دون جيش من الخدم والحشم، عليها أن تعيد التفكير في السفر مراراً, فخدماتنا ليست مجهزة لمن هو أو هي دون ذلك. فإذا سلمت عربة الطفل عند بوابة دخول الطائرة في البلد الآخر فلن تجدها عند بوابة الخروج في الرياض أو جدة أو الدمام. فنظام المطارات لدينا أن العربات تُستلم من سير العفش. لماذا؟ لأنهم لم يسمعوا في إداراتهم الذكورية كليةً عن احتياج المرأة إلى عربة ابنها أو ابنتها لتسحبها فيها بينما تحمل حقيبة الطفل وحقيبتها نظراً لأن أياً منهم لا يدفع عربة ابنه ربما، وبالتالي تُترك المرأة لتحمل الطفل وكل ما تحمله معها. ولأنهم لا يلتفتون إلى ملاحظات ترسل وتسجل إليهم باستمرار عن ضرورة النظر في هذه السياسة العقيمة وضرورة أن تُفصل عربات الأطفال التي تُسلم عند باب الطائرة لدى الدخول عن بقية العفش لتُسلم عند باب الطائرة لدى الخروج، وضرورة تدريب العمالة المستوردة على ذلك. في كل مرة أصل فيها مطارنا أحتاج إلى أن ألفت النظر إلى هذا الموضوع وسط استغراب موظفي الخطوط والعمال الذين لم يسمعوا بذلك في حياتهم.
يبدو أن موظفي طائرات الخطوط العربية لدينا في معزل عن سياسة شركات طائراتهم، فهم لا يعلمون عن إمكانية طلب وجبات وفق الحاجة وتسجيل ذلك على الإنترنت، ولا يعرفون كيف يتعاملون مع الأطفال على الرغم من انفجار بيوتنا بهم. فنجد المضيف أو المضيفة تبدأ في تقديم الطعام من بداية الصف أو لمن طلب وجبة خاصة وتترك الأطفال إلى النهاية، على الرغم من ضرورة البدء بالأطفال في أي مرحلة من مراحل صعود الطائرة أو تقديم الطعام أو الخروج .. إلخ.
البريد المتراكم لمدة السفر يرفق مع إرساليته ملاحظة بضرورة دفع اشتراك الصندوق الذي ارتفعت رسومه أكثر من 300 في المائة خلال سنة، فبعد أن كانت تكلفته 300 ريال أصبح ألفاً بقدرة قادر ومن غير مرسوم ملكي، منافساً بذلك أصغر وأفقر دول العالم التي توصل بريدها إلى مستحقيها مجاناً (بمبلغ طابع البريد المدفوع من جهة الإرسال) إلى أبواب منازلهم، وقد حُل الأمر وتفضل بذلك مشكوراً الدكتور محمد بنتن، الرئيس العام للبريد، فتحول الصندوق من قائمة المؤسسات إلى الأفراد فصارت تكلفته مائة ريال فقط. خلال فترة الإجازة في أمريكا، كان البريد يصل إلى الباب يومياً فضلاً عن الإرساليات الأخرى لمشتريات الإنترنت دون أن نسمع أو نرى ساعي أو ساعية البريد، كنا فقط نسمع صوت ردفة حديد الباب من حيث تدخل ظروف البريد وتسقط داخل البيت أرضاً.
إشارة الـ "دي إس إل" توقفت عن العمل منذ وصولي، ولمدة عشرة أيام وأنا بين فكي شركة الاتصالات والشركة المزودة (سيبيريا) ووهم عودة الخدمة خلال 24 ساعة. وكل يوم أمضي على الهاتف جزءا من الوقت مع موظفي الاتصالات ومحاولات حلهم المشكلة بعد توافر واسطة مشكورين، وبين مزود الخدمة الذي يستمر خطهم المجاني بالانشغال ليل نهار. وبعد أن يجيب هذا الخط الفريد أجد خدمة لا تقدم ولا تؤخر وتتنصل في النهاية من المسؤولية ولا تتغير الإجابة عند التحدث إلى مشرف الفترة, أي مديرهم آنذاك, وتفقد بعض الأمل في محاولات السعودة التي لا تنبئ عن حرفية أو إتقان للعمل كما تفعل بقية الجنسيات، وفي حالتي، مع المزود نفسه. بينما أمضينا هناك شهرين لم تتوقف خلالهما الخدمة مطلقاً ولم نعرف شركة اتصالات ولا شركات مزودة ولا مواقع محجوبة (لأنها تتبع ولاية فيرجينيا. أحد المواقع حجب فعلا لدينا لأن عنوان الموقع هو فيرجينيا المنسوب إلى السيدة مريم العذراء)، ربما العطل الوحيد الذي سمعنا به كان من صديقة أمريكية تشكت من خلل أصاب شبكتها لثوان عندما اشتدت صاعقة ذات مساء سرعان ما عادت سيرتها الأولى. كانت شبكات الإنترنت سواء بالكيبل أو اللاسلكية في كل مكان حتى في وسط الغابة في إحدى الولايات النائية التي أمضينا فيها بعض الوقت.
أدخلت بطاقة "سامبا" في جهاز "سامبا" فما صدّق وسحبها، هكذا بكل بساطة، وطلب الجهاز مني أن أراجع الفرع، وزيارة الفرع كانت مهمة شاقة هي الأخرى على الرغم من الدوام المتصل وقرب مقر فرعهم النسبي من منزلي ولكن في ظل أزمة السائقين التي ترد بعد قليل في القائمة كان على هذه المهمة أن تتأجل وتتأخر مؤخرة معها عدداً من الالتزامات. كنت مهما أشتري وأينما أشتري أقدم البطاقة وفي ثوان تكون الفاتورة قد صدرت وانشغلت البائعة بالزبون التالي. لم نسمع في يوم وفي أي وقت من أوقات الشراء أن هناك "ضغطا على الشبكة"، أو أليس لديكم كاش؟ كنت أحاسب على كوب القهوة بالبطاقة الائتمانية دون أي نظرة دهشة أو استنكار أو استثقال وفي ثوان أخرى تخرج فاتورتي وفاتورة البطاقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي