يحتفل جميع الدول باليوم الوطني وهو عادة ما يكون يوم إعلان استقلال أو توحيد الدولة, وهذا العام يوافق 23 أيلول (سبتمبر) اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية في شهر رمضان الكريم, وكل عام وأنتم جميعاً بخير .
وبهذه المناسبة وبمناسبة التقرير الذي أصدرته حكومة خادم الحرمين الشريفين يوم الثاني من رمضان عن اهتمام المملكة بالإنسان بوصفه الهدف الأسمى والأهم للتنمية الشاملة في كل قطاعاتها, حان الوقت لتعلم الطريقة الصحيحة لكيفية تطبيق معنى مواطن ولإعادة تربية المواطنة والمدنية في قلوبنا وعقولنا وأفعالنا.
ولتحقيق أهداف تربية المواطنة لا بد من إشراك المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، وتكاملها جميعها من أجل تشكيل هوية المجتمع، والعمل بصورة مباشرة في المجتمع على إكساب القيم والأخلاق والتوجهات والمعايير الإسلامية الاجتماعية التي تسهم في تربية المواطنة.
وهذه ليست خطة لتكوين أسس المواطنة في المجتمع, بل هي ضوء يعيد اكتشافها وتوجيهها لأنها موجودة وتحتاج فقط إلى إعادة إحياء وتطبيق.
مفهوم المواطنة
التعريف الإسلامي للمواطنة هو تعبير عن طبيعة وجوهر الصلات القائمة بين دار الإسلام وهي (وطن الإسلام) وبين من يقيمون على هذا الوطن أو هذه الدار من المسلمين وغيرهم (هويدي، 1995). وفي قاموس علم الاجتماع تم تعريفها بأنها علاقة اجتماعية تقوم بين فرد طبيعي ومجتمع سياسي (دولة)، أما تعريف دائرة المعارف البريطانية (فهي العلاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات وحقوق - متبادلة - في تلك الدولة، متضمنة هذه المواطنة مرتبة من الحرية مع ما يصاحبها من مسؤوليات) والقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة مملوءة بالأدلة التشريعية والإرشادية لتطبيق المواطنة الصحيحة. (المواطنة) و(الوطنية) لفظتان مرتبطتان إحداهما بالأخرى لغويا وفي الدلالة الضمنية. فـ "الوطنية" Patriotism هي مشاعر عاطفية ووجدانية تتكون عند الفرد تجاه الوطن أو الأرض التي يحبها. أما "المواطنة" Citizenship فهي الممارسات والسلوكيات والأفعال التي ينتظر من الفرد أداؤها بصورة منسجمة مع قوانين الوطن وأنظمته.
في أي وطن، تتمثل العناصر الكبرى التي تتبادل الحقوق والواجبات، وتقوم بينها المواطنة بين ثلاثة أطراف: الشعب - المؤسسات - الدولة.
اولاً: المواطنة بين أفراد الشعب من المهم الارتقاء بالعلاقات بين الأفراد الذين يجمعهم مجتمع مسلم إلى المستوى الإنساني، المحقق للسعادة والذي تتجلى فيها الأخلاق التي شرعها دين الإسلام، ومنها الأخلاق التالية:
- الآداب الشخصية مثل الرعاية والاهتمام بالأهل والأبناء والجيران والزملاء والولاء والألفة والتواد والتعاطف والنصيحة، والإرشاد والإصلاح بين الناس والنصرة وسائر الأخلاق الإيمانية، التي جعلها الشرع من صفات المؤمنين، مثل صدق الحديث، والوفاء بالعهود، وأداء الشهادة بالحق، والعدل في التعامل، والعفة والحياء، والتواضع... إلخ.
- الآداب العملية التي تقتضيها حركة الحياة اليومية بين الناس، مثل: آداب التعامل العملي والعلمي والمالي، وآداب الصحبة، وآداب الشارع والبيوت والعمل وغيرها، ولو استطاع النظام التربوي (المنزل والمدرسة) غرس هذه القيم في نفوس الناشئة وبناء شخصياتهم عليها، سيتكون مجتمع تتلألأ إنسانيته في أعلى درجاتها، ويتناغم أفراده نفسيا وفكريا وحركيا بأرقى صور الكمالات البشرية.
ثانياً: الشعب والمؤسسات الوطنية
المؤسسات شخصيات اعتبارية ذات أهداف ربحية أو خيرية، ثقافية أو اجتماعية، ربما تكون أهلية بحتة، أو تابعة لمؤسسات الدولة الرسمية ولكن بشيء من الاستقلال النسبي. بين هذه المؤسسات والشعب حقوق متبادلة كما الشأن بين أفراد الشعب نفسه، فمن حقوق الشعب على هذه المؤسسات الصدق وعدم الغش فيما تقوم به من أعمال وخدمات وتوفيرها وتقديمها عند الطلب وبأفضل أسلوب ممكن، ومن حقوق الشعب على المؤسسات أيضا الإسهام في التنمية الوطنية، وتطبيق مبدأ المسؤولية الاجتماعية، وعدم التصادم مع قيم المجتمع بممارسة أو ترويج ما يسيء إلى دين أو تقاليد الوطن.
أما حق هذه المؤسسات على المواطنين فالإخلاص عند العمل فيها وعدم الحقد عليها، أو الإساءة إليها بما يشوه صورتها، وتفضيلها على غيرها من المؤسسات غير الوطنية عند التساوي بينها في منتجاتها، ورفض الأعمال التخريبية التي تستهدفها كأعمال التطرف والإرهاب التي تسعى إلى تدمير المؤسسات الوطنية .
ثالثاً: الشعب والدولة
الحقوق المتبادلة بين الشعب من جهة والدولة من جهة أخرى وهو ما يسمى (المواطنة) من حيث هي حقوق متبادلة بين الطرفين.
وهذا موضوع المقال التالي.
