دعاة على الطلب

[email protected]

أنزل الله, عز وجل, أديانا سماوية اتبعها العباد قاموا بتحريف بعضها والخروج بدين لا يمت إلى الدين الأساسي والأصلي بصلة، هؤلاء العباد الذين تجرؤوا بالتحريف لم يكن لديهم العلم الكافي بالدين المنزل ولذلك لم يـُتبعوا. أنزل الله, عز وجل, الأديان من خلال الرسل والأنبياء يحملون دينا من عند الله وليس من عند أنفسهم. مع العلم أن الأديان السماوية أديان مكملة لبعضها تتفق جميعها بوجود إله واحد معبود بجميع صفاته وأسمائه وهو الله, عز وجل، لذلك يفرض علينا كعباد التصديق بهذه الأديان المنزلة من عند الله ،إن عدم التصديق بها يدخلنا في ضلالات كبيرة يسعى الكثير من الناس إلى نشرها في مجتمعاتنا الإسلامية . لقد أنزل الله, عز وجل, الأديان وقام بإرسال الرسل حتى تبلغ هذه الرسالة وتوصل الدين للأقوام المرسلة إليهم وضح سبحانه من خلال هذه الأديان الواجبات التي يجب اتباعها وهي متشابهة إلى حد كبير في جميع الأديان المنزلة.
إذا تحدثنا عن الدين الإسلامي كمثال, أنزل الله هذا الدين عن طريق سيد الرسل محمد, صلى الله عليه وسلم, وكان خاتم الأنبياء والمرسلين ولم يأت بعده أي رسول، تفرع الدين الإسلامي إلى مذاهب معروفة وكانت هذه الاختلافات في أمور فرعية وليست أساسية حيث توحدت الأساسيات وعرفت منذ عهد الرسول, صلى الله عليه وسلم، كثرت التفرعات في عصرنا الحاضر وبعدت كثيرا عن الدين المنزل من عند الله. يرجع ذلك إلى وجود كثير من الدعاة الذين انتشروا في جميع أنحاء العالم لنشر الدين الإسلامي والتعريف به، ولم يكن لديهم العلم الكافي بالدين لكي يقوموا بالتعريف به. يحتاج البعض من الذين لا تتوافر لديهم ثقافة دينية إلى من يوضح لهم بعض الأمور في الدين، لذلك انتشرت هذه الفئة التي تسمى الدعاة وتوجت نفسها لخدمة هذا الدين، بعضهم يحمل العلم والمعرفة بهذا الدين كما أنزل، والبعض الآخر توج من دون علم ولا معرفة واتخذوا اسم الدعاة لكي يوضحوا للناس بغير علم الأمور الدينية. يعتمد هؤلاء الدعاة في أحاديثهم على أمور ومعلومات قرأوها في الكتب بأنفسهم دون أن يتلقوها من علماء أو شيوخ, وبذلك يقومون بنشر الدين من وجهة نظرهم الشخصية وليست كما أنزلت, وهم من تطبق عليهم مقوله الأولياء "من كان علمه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه". إن انتشار هذا النوع من الدعاة يحدث في المجتمعات تخبطات وانقسامات في الثقافات الدينية وتعد نتائج طبيعية لانتشار هذا النوع من الدعاة. إن تطرق الدعاة إلى الإفتاء في أمور كثيرة بتحريم تصرف معين وبعد مرور الوقت يقومون بنشر فتوى أخرى تحلل هذا التصرف كأن الدين متغير وليس ثابتا منذ مئات السنين ويرجع ذلك لعلمهم المحدود. إن إعطاءهم حق الإفتاء أو حتى التحدث عن الدين هو خروج عن الدين حيث قال الإمام مالك, رحمه الله "لا يؤخد العلم عن أربعة: سفيه معلن السفه, و صاحب هوى يدعو إليه, ورجل معروف بالكذب في أحاديث الناس و إن كان لا يكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم ورجل له فضل وصلاح لا يعرف ما يحدث به". غالبا ما ترجع آراء هؤلاء الدعاة إلى الاعتماد على وجهات نظرهم الشخصية دون الرجوع إلى علماء قبلهم ومن هم أعلم منهم، يظهر هؤلاء الدعاة في جميع الوسائل الإعلامية, ولما يتمتع به البعض من مواهب وهبهم الله إياها في إقناع الآخرين باختيار كلمات رنانة تشعر البشر أن المتحدث يحمل من العلم ما لا يقدر بمقياس، يسيطر هؤلاء الدعاة على المشاهدين الذين غالبا ما يحملون ثقافات ضعيفة في الدين وينشرون بينهم معلومات خاطئة ما أنزل الله بها من سلطان، يتلقاها المشاهدون ويثبتونها في عقولهم ويتبعونها وبذلك يكونون قد حملوا معلومات مغلوطة لا تمت إلى الدين الإسلامي بصلة، ولو بذل المشاهدون جهدا بسيطا في التركيز بما يفتى عليهم يستطيعون بأنفسهم وليس بمجاراة الهوى للاستماع للكلمات الموسيقية الرنانة التي يسمعونها من المتحدث أو الداعية يستطيعون إثبات تناقض كلماته في حديثه.
إن الاختلافات في أساسيات الدين الإسلامي وتغيير الحكم فيها مثل إفطار المرضى في رمضان ومنزلة وحب الرسول صلى الله عليه وسلم عند المسلمين تعتبر تغييرا في أحكام الدين الأساسية والخروج عنها, وعلى الرغم من وجود أدلة تنافي الأحكام التي يصدرونها مثل حديث البخاري ومسلم والنسائي أن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده، وولده، والناس أجمعين" إلا أنهم يستمرون بما يقومون به من التقليل في درجة حب الرسول صلى الله عليه وسلم.
هناك شروط يجب أن تتوافر في هؤلاء الدعاة قبل أن يتوجوا, فلا بد أن يحملوا العلم الصحيح الذي يستمد من الكتاب والسنة ويكونوا على اطلاع بأقوال العلماء السابقين وألا يرجوا من نشر الدين الظهور والشهرة وألا يرجوا منه جزاء ولا شكورا, حيث أصبح للدعاة الآن برامج تلفزيونية ثابتة لا تتغير بتغير الزمان. كان الدعاة في العصور السابقة ملتصقين بالناس يعيشون معهم يعرفون مشكلاتهم, كانوا يعيشون حياة أقل من المتوسطة لم يعيشوا في قصور بل في كهوف، لم يكونوا في معزل عن الحياة يصعب الوصول إليهم، بل كانوا يظهرون إلى الناس في مساجدهم وأسواقهم يتعايشون مع مشكلات الناس وينصحونهم قدر استطاعتهم ولا يتطرقون للإفتاء تماما, وكانت هذه الصفات سببا رئيسيا لنجاحهم في مهماتهم المحددة التي كلفوا بها وعدم انتشار انقسامات عديدة في الدين.
محبتهم الظهور والتباهي بالعلم والشهرة معدومة، كانوا بعيدين عن الحياة التي تكثر فيها الأموال والهدايا الثمينة إذا غابوا لم يفتقدوا، لم يعد الدعاة في عصرنا الحاضر يحملون أي صفة من هذه الصفات التي حملها السابقون منهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي