صوموا.. تفاصيل

[email protected]

كنا في رمضان، والجميع في انتظار أبي لحين عودته من عمله إلى المنزل لسبب أو لآخر، وما أن وضع ما بيده، إلا وتلقفت الجريدة وبدأت أقلب أوراقها لأفتش عن الكاريكاتير .. وكان كما توقعت، يصور موظفاً نائماً على المكتب ويضع خلفه ملصقاً يقول: "راجعنا بكره"!!
لم أفاجأ لصدق حدسي حينها، فهذا ما كانت تطالعنا به الصحف .. إنها استجابات لتوقعات القراء في كل جانب. فلك عزيزي القارئ كل الحق في أن تخمن أن الحديث سيكون عن مباراة الأهلي والنصر، وأن الصفحات المحلية ستكون عن المنح وانطباعات المواطنين، وأن الصفحة الدولية ستكون عن ممارسات العدو الاسرائيلي وأن صفحة الحوار ستكون مع مسؤول سابق درس في الكتاتيب وحصل على الابتدائية من القاهرة أو بغداد وأن صفحة المجتمع ستكون عبارة عن صور وأخبار لأناس لا يحتاجون إلى تخبير..!!
المهم، كانت أياماً شهية، فرغم كل هذا كان للصحيفة هيبتها ومكانتها الـ....مفروضة!
كنا في رمضان، وكان الجميع يجدون متعة لا تقاوم في لعب أشواط من (عظام ساري) .. ورغم أنني كنت أميل للتشجيع وليس للمشاركة، خوفاً من أن ترتد الخشبة إلى رأسي إثر ضربة طائشة من هنا أو هناك! إلا أنني في كل الأحوال كنت أجد متعة في استنزاف صبر بائعة "عسكريم التوت" بشراء كيس مثلجات تلو الآخر .. واكتشفت حين كبرت أنها هي من كان يتلذذ بكثرة شرائي، وأن ما كان يظهر منها من زجر ونهي ليس سوى وسيلة تجارية ذكية لترغيب الأطفال... فالممنوع في الغالب.. مرغوب!
كان يوماً رمضانياً شديد الحرارة، والبحث عن وسيلة ترفيه في نهاره الطويل أصعب من مهمة البحث عن شماغ مصنوع في السعودية. وفجأة يظهر أحد عيال الحارة الذين تغيبوا منذ مدة وقد حمل في يده شيئاً يشبه بيضة الدجاجة.. ولكنها صفراء اللون. اقترب صاحبنا، ويا للهول... إنها لعبة! كلما ضغطت على طرفها دارت البيضة وتباعدت صفائح قشورها ليخرج لك عصفور ملون كريه المنظر... لكنه في كل الأحوال عصفور.
تمادى صديقنا "عمّاش" في التنكيل بنا وتعمد غيظ المزيد منا بلعبته الجديدة، وبينما استمر في تحريك قشور البيضة بالسرعة القصوى لكي يظهر العصفور لأطول فترة ممكنة، إلا وانطلقت واحدة من قشور البيض باتجاه صغير اسمه "قليّل" فقطعت طرف اصبعه بما كان لها من حافة حادة كالشفرة. وتزامن هذا مع وجود الخالة أم قليّل في نافذة البيت، فصرخت قائلة: "يا ويلي...عماش ذبح قليّل بالعصفور" لترد الجدة من الداخل مكررة: "غيثونا...ولدهم ضرب ولدنا بم صعفور.."، وتم إلقاء القبض على "عماش" وتلقى أصنافاً من الضرب لم يتوقعها أو حتى يتخيلها .. وألغت الآلام كل فرحة له بلعبة بيضة العصفور التي أحضرها له خاله من مكة .. أو جدة، لا أذكر! ذكرياتنا مستمرة خلال شهر الصيام ..
فـ يا دنقور لا تنام!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي